حبيب الشعب؟
لا أعرف إن كان هوس الحب الطاغي على الدكتاتور هو جزء من أدوات التحكم والسيطرة على الشعب أم أنه يمثل عقدة نقص لدى الدكتاتور، فهو يعيش في حالة قلق وخوف وترقب من تعرضه للاغتيال أو الإزاحة من أقرب المقربين إليه، وهو أمر يكاد يكون مكرراً في حكاية مجيء أي دكتاتور إلى السلطة.
عند قراءة الأقوال المنسوبة لصدام حسين أو غيره من نماذج دكتاتورييّ العصر تجد قاسماً مشتركاً، لجمع الناس في شخصه، واختزال البشر الذين يحكمهم في حكمته، وتحويل الآراء كلها إلى رأي واحد لا يأتيه الباطل من أي مكان، يتحول فيه الشخص إلى نموذج واحد، القائد، الهمام، أبو الأمة، الصلب، الشجاع، القاصم لظهر الأعداء، الكاسر لمن تسوِّل له نفسه العبث بمصالح الأمة. ويحرص الدكتاتوريون بالعموم على إيهام الناس وإشاعة جو بين المواطنين بأن القائد يحبه الناس. لا يهم بالطبع إن كانت تلك المحبة قد جاءت قسراً، وغصباً، وقهراً، فالمهم أن يصبح التقليد أن الشعب يحب قائده. ويسعى الدكتاتور في المجمل إلى استعارة الرموز التاريخية الدينية أوالوطنية أو الأسطورية لكي يركب على ظهرها، فهو، أي الدكتاتور، ليس إلا استنساخاً لتلك الشخصية أيا كانت وكل حسب ثقافته.ولذا وجدنا «حجي» محمد سوهارتو دكتاتور إندونيسيا الذي توفي قبل أيام يطلق على نفسه «أبو الشعب»، أو باني البلاد. ووجدنا الزعيم الكوري الشمالي السابق كيم إيل سونغ يرفق وراء اسمه دوما «كيم ايل سونغ... الزعيم المحبوب من أربعين مليون كوري». وقد أخبرني أحد الأصدقاء أن عدداً من الطلبة اليمنيين الذين كانوا يدرسون في الجامعة بكوريا الشمالية، أرادوا تخصيص غرفة لهم في الجامعة ليمارسوا أنشطتهم الطلابية وعبثاً حاولوا مع إدارة الجامعة من دون جدوى، فنصحهم أحد زملائهم الكوريين أن يوجهوا رسالة إلى الرئيس كيم إيل سونغ.. وهكذا كان ووجهوا إليه رسالة كان مطلعها «إلى الزعيم كيم إيل سونغ الزعيم المحبوب من أربعين مليون كوري و12 طالباً يمنياً»، وتم على الفور تخصيص الغرفة التي أرادوها.لا أعرف إن كان هوس الحب الطاغي على الدكتاتور هو جزء من أدوات التحكم والسيطرة على الشعب أم أنه يمثل عقدة نقص لدى الدكتاتور، فهو يعيش في حالة قلق وخوف وترقب من تعرضه للاغتيال أو الإزاحة من أقرب المقربين إليه، وهو أمر يكاد يكون مكرراً في حكاية مجيء أي دكتاتور إلى السلطة، فعلى الأغلب يكون قد جاء إلى الحكم هو ذاته عن طريق قتل أو إزاحة أو سجن مَن هو أعلى منه. وصدام لم يكن استثناءً حيث أزاح أحمد حسن البكر وسوهارتو لم يكن استثناءً حيث أزاح أحمد سوكارنو. أما أظرف الأغاني التي كان يظهر فيها صدام مع الأطفال يغنون أغنية:يا صدام نحبك... نحبك والله نحبكانت تحب الناس الناس.. وكل الناس تحبكأما كيف يتعايش الحب مع الخوف فهو أمر بحاجة إلى خبير في علم النفس لفك الاشتباك بين الشعورين المتناقضين.ويفرض الدكتاتور نفسه على الشعب من خلال الإعلام والحضور الدعائي الطاغي، ونشره لصوره في كل مكان، وكان لافتاً، مثلاً، حرص السلطات العراقية أيام الغزو على نشر صوره وتحويل تسميات قائمة إلى اسمه، فالمطلاع أصبحت «صدامية المطلاع» ومسجد الدولة الذي حتى لم يسمه الشيخ جابر، رحمه الله، باسمه تمت تسميته باسم مسجد صدام ، لا بل تم وضع جدارية سيراميكية كبيرة على المسجد، كان الاستعجال في إزالة صور حكام الكويت مثيراً للانتباه، وخلال فترة وجيزة تحولت الكويت المحتلة إلى صور دون حصر أو عدد، بل إن صدام كان قد أوجد إدارة تابعة لديوان الرئاسة في بغداد هي إدارة صور الرئيس. كان آخر من تولى مهامها وزير الإعلام الأسبق لطيف نصيف جاسم.ويبدو أن البحث في سير الشخصيات الدكتاتورية التي مرت على البشرية، لا يخلو من طرافة، وإن كانت من نوع «الكوميديا السوداء» كما يقال. خصوصاً ما يتعلق منها بمفارقات صور الدكتاتوريين... وللحديث بقية.