هدير المطابع
من الممتع لصحافي عاش عمره يتسنشق رائحة الأخبار، أن يحضر ولادة صحيفة جديدة. فهي تجربة قاسية ومرهقة بلاشك، غير أنها تحمل في طياتها فرحة خاصة، تزول متاعبها بمجرد خروج «المهرة الجديدة». ونقول للكويت هذا الوطن الغالي وللكويتيين هذا الشعب العظيم: «إن من حقكم أن تفاخروا وان تفخروا بأن وطناً بحجم وردة بيضاء جورية، يحتل كل هذه المكانة التي يحتلها على صعيد العالم كله.لا أكثر إسعاداً بالنسبة لصحافي عاش أحلى أيام عمره يستمع الى أنغام هدير المطابع ويستنشق رائحة الأحبار، من أن يحضر ولادة صحيفة جديدة، وأن يحتل مساحة بحجم كف طفلة جميلة صغيرة في هذه الصحيفة، إنه شعور لا يعرف حقيقته إلا من مرَّ بهذه التجربة، وقاسى آلام مخاضٍ كهذا المخاض، وفرح في لحظة الفرح التي كان في انتظارها الذين عاشوا شهوراً من الأرق والخوف، والذين كخلية نحل واصلوا العمل في الليل والنهار .
يُنقل عن اليتش فلاديمير لينين، الذي يقال ان إمام اليمــن السابق يحيى حميد الدين وصفه في أول رسالة عربية وصلت إليه بعد انتصار ثورة اكتوبر بأنه نبي الروس الجديد ، !! أنه قال: «أعطني صحيفة أعطك حزباً» والمقصود كان صحيفة الأيسكرا: الشرارة «التي نطقت باسم «البلاشفة» الذين بلغ عدد أعضاء حزبهم قرابة العشرين مليوناً، ولكنه لسوء بنيانه انهار في لحظة واحدة . فولادة «الجريدة» مثل انتظار الطفل الأول. وأذكر أنني عندما كنت قبل نحو ثلاثين عاماً أنتظر طفلي الأول، الذي هو ثاني اثنين فقط، كنت مصاباً بما هو أكثر من الحمى، وكنت أذرع قاعة الانتظار في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت جيئة وذهاباً فاقد الصبر، وكانت لحظة ليس مثلها لحظة عندما انبلج الباب المفضي الى غرفة العمليات وأطلَّت منه ممرضة باسمة الثغر وخاطبتني قائلة: «إنه صبيٌ جميل ألف مبروك» . اليوم ومع أول صرخة أطلقها هذا الوليد الجديد «الجريدة» نقول لأحد عمالقة الصحافة العربية أستاذنا الجليل محمد جاسم الصقر: «إنه مولود حلوٌ وجميل ... ألف مبروك» ونقول للكويت هذا الوطن الغالي وللكويتيين هذا الشعب العظيم: «إن من حقكم أن تفاخروا وان تفخروا بأن وطناً بحجم وردة بيضاء جورية، يحتل كل هذه المكانة التي يحتلها على صعيد العالم كله وبخاصة في مجال الحريات العامة .. فالصحافة الحرة كصحافتكم هي الدليل على ثقة النظام بشعبه وثقة الشعب بنظامه». إنها الخطوة الأولى على طريق طوله ألف ميل، ولعل أكبر تحدٍ ستواجهه هذه «الجريدة» ، التي رأت النور في هذا اليوم ، هو المنافسة التي ستكون بالتأكيد شريفة والتي ستكون أيضاً مثل وضع مهرة أصيلة جديدة العِساف في ميدان تصهل فيه خيول مطهمة كثيرة، بعضها كفرس أبو الطيب المتنبي الذي قال عنه في واحدة من أجمل قصائده : وتنْصُبُ للجرْس الخفيِّ سوامِعاً تخالُ مُنــاجاة الضمير تناديا التحدي كبيرٌ جداً، والخيول المطهمة الأصيلة تملأ الميدان، ولكن هذه «المهرة» التي وَضَعتْ خطواتها على بداية المضمار، ستكون سباقة بالتأكيد .