في شهر رجب من عام 702هـ جاءت الأخبار بأن التتار عازمون على دخول بلاد الشام، فاشتد خوف الناس وانزعاجهم من هذا الأمر، في الوقت نفسه كان الخليفة المستكفي والسلطان الناصر محمد بن قلاوون مقيمين في مصر، وأتت الأخبار بأن السلطان الناصر قد خرج من مصر في العاشر من شعبان متوجهاً إلى دمشق، وفي الثامن عشر من شعبان قدمت طائفة كبيرة من جيش المصريين فيهم كبار الأمراء أمثال ركن الدين بيبرس وسيف الدين كراي وحسام الدين لاجين، وعندما وصل التتار إلى حمص وبعلبك وعاثوا في تلك البلاد فساداً وقلق الناس قلقاً عظيماً، وتابع التتار طريقهم من الشمال إلى الجنوب، إلى أن التقوا جيش المسلمين في «سهل شقحب» الذي يشرف على جبل غباغب، وفي يوم السبت 2 رمضان نظم المسلمون جيشهم تنظيماً جيداً. وقبل بدء القتال اتخذت الاحتياطات اللازمة فمر السلطان الناصر والخليفة المستكفي بين صفوف الجيش، يحثانه على الصبر والمثابرة، ويبعثان فيهم روح الشهادة وكانوا يقرؤون آيات القرآن التي تحض على ذلك، وبدأت المعركة بقول المسلمين «لله النصر والعزة للإسلام» واحتدمت المعركة واشتد القتال، ومالت المعركة في بادئها إلى صفوف التتار، ولكن مع ثبات المسلمين وشراستهم في القتال سرعان ما انقلبت الموازين رأساً على عقب وأصبحت الغلبة للمسلمين، حتى أقبل الليل فتوقف القتال وصعد المغول جبل غباغب وبقوا عليه طوال الليل، في اليوم التالي وعند مطلع الفجر نزلوا يبغون الفرار بعد أن ترك لهم المسلمون ثغرة في الميسرة ليمروا منها، لكن تتبعهم جيش المسلمين ولم يدعهم ليفروا في سلام وقتل منهم عدداً كبيراً وهلك منهم الكثيرون في الأرض الموحلة التي حاولوا اللجوء إليها ليفروا من طوفان جيش المسلمين. وعند حلول الظلام لجأ التتار إلى اقتحام التلال والجبال، فأحاط بهم المسلمون يحرسونهم من الهرب ويرمونهم بالسهام حتى الفجر، وفي صباح اليوم التالي استطاع الهرب من تبقي من جيش المغول حتي وصلوا إلى الفرات ولم يقدروا على العبور، فساروا بجانبه إلى بغداد فانقطع أكثرهم على شاطئ الفرات وتفرقوا وأسر المسلمون منهم عدداً كبيراً، وفي يوم الاثنين 4 رمضان رجع الناس من «الكسوة» إلى «دمشق» فبشروا الناس بالنصر وفيه دخل شيخ الإسلام بن تيمية البلد ومعه أصحابه من المجاهدين الذين ساهموا في النصر وأبلوا بلاءً حسناً في المعارك، وفي يوم الثلاثاء 5 رمضان دخل السلطان الناصر بن قلاوون والخليفة المستكفي دمشق وعمت أفراح النصر البلد ثم عادوا إلى مصر في موكب الظافر المنتصر.
Ad