في مثل هذا اليوم، قبل أربعين عاماً، كان العرب «من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر» يسكرون حتى الثمالة بانتصارات الإذاعات، وبالأناشيد الثورية التي كانت تبثها هذه الإذاعات، وبالوعود الوردية بأن «أبناء العروبة» مدعوون لإطفاء حرارة صيفهم اللاهب في مياه بحر فلسطين .. في نهاريا وحيفا ويافا ... و«لقد أزِفت ساعة الثأر وتجوَّع يا سمك والى الجحيم يا أبناء صهيون!!». كان صوت، طويل العمر، أحمد سعيد يتفجـر حمماً من «صوت العرب»، وكان يتوعد «شُذَّاذ الأفاق» بالقاهر والظافر، بينما كانت إذاعة دمشق تملأ الدنيا ألحاناً ثورية :
ميراج طيَّارك هــربْمهْزوم مـن نسر العربْو «الميغ» علَّت وأعْتَلتْ بالجوِ تتحدْى القــدرْ ولقد ذهبت السَّكْرة وجاءت الفكرة واستفاق العرب، الذين دعاهم شاعر فلسطيني عبر شاشات التلفزيون السوري الحكومي، الذي لم تكن الألوان قد وصلت الى شاشته بعد، إلى قضاء فصل الصيف على شواطىء نهاريا، على هزيمة مخزية ومذلّة جرحت أفئدتهم وأوصلت الجيوش الإسرائيلية إلى أبواب ثلاث من عواصمهم .. لقد أصبحت فلسطين كلها محتلة وفوق ذلك سيناء كلها حتى قناة السويس والجولان حتى مرمى حجر من عاصمة الأمويين. في ذلك اليوم الأسود قبل أربعين عاماً، كنت على السفح الغربي لجبل قاسيون مع مجموعة من الطلبة العرب، الذين تركوا جامعاتهم في أوروبا وبعض الدول العربية وجاؤوا كمتطوعين استجابة لنداء الثأر الذي انتظره العرب طويلاً، أخذت الإذاعات تُغيِّر لهجاتها وبدأ الحزن القاتل يخيم على القلوب مع ساعات المساء و بدأنا نسمع: كمْ لنا من ميسلونٍ نفضَتْ عـن جناحيْها غبار التَّعبِ كم نَبَتْ أسيافُنا في ملعبٍ وكَبَتْ أجيادُنا في مَلْعَبِوهناك من بعيد بدأ «صوت العرب؟»، الذي كان يصدح بالشعارات الهادرة، يأتينا خجولاً وحزيناً : «إنَّ للباطل جولة» !! . فهل استفدنا من ذلك الدرس الذي كشف عورات شعاراتنا الثورية وأكاذيب إذاعاتنا التقدمية ..؟! الجواب يجب أن نأخذه مما يجري الآن في العراق وفي غزة والضفة الغربية وفي لبنان .. لقد استمرت «جولة الباطل» أربعين عاماً تخللتها جولات كثيرة .. الفتنة في الأردن في العام 1970، والحرب الأهلية التي أحرقت البلد الذي كُنَّا نسميه فرنسا الشرق والتي لاتزال تحرقه، والأنظمة التي لاتزال تغوص حتى الأعناق في الشمولية وفي فترة الحرب الباردة وصراع المعسكرات .. وفي الفساد وتزييف إرادات شعوبها والضحك على ذقون عباد الله الصالحين والطالحين !! . والجواب يجب ان نأخذه أيضاً مما فعله الحكام الطغاة الذين اغتصبوا الحكم في بلدانهم باسم فلسطين والعروبة والرسالة الخالدة و «وحدة حرية اشتراكية» فحولوا الحرية الى سجون ومقابر جماعية، والاشتراكية إلى مزارع وحسابات بنوك لأتباعهم ومحاسيبهم، وحولوا الوحدة إلى غزو استهدف دولاً شقيقة كانت تصدق تلك الشعارات. «.. إن للباطل جولات» الأنظمة التي لاتزال تغوص حتى الأعناق في الشمولية، وفي فترة الحرب الباردة وصراع المعسكرات، وفي الفساد وتزييف إرادات شعوبها والضحك على ذقون عباد الله الصالحين والطالحين !! . مفكر وسياسي أردني
مقالات
إن للباطل جولات!
04-06-2007