Ad

مللت هذا النقاش، بل هذه الهرطقة القاتلة حول موضوعات السيادة والاستقلال والحرية و«الشرعية» الدستورية أو الديموقراطية أو الانتخابية أو البرلمانية وكل ما يشبهها من مقولات خداعة وكاذبة ومضللة للناس «الغلابة» مهما بدت براقة أو ممتعة أو مربحة أو «ربيحة»، بنظر الطبقة السياسية العائمة على طوفان استعمار جديد.

أولاً، أدخل في صلب الموضوع لأقول إن «الدورة الدموية» العربية والإسلامية تنزف بشدة منقطعة النظير من العراق الى فلسطين الى لبنان إلى أفغانستان، فيما أرباب السلطة في بلادنا من كل لون، أو فئة، أو طائفة، أو مذهب، أو مدرسة سياسية، يتغنون «بالشرعية»! التي يتمتعون بها وإنجازاتها على الصعيد السياسي، وينظّرون إليها بكل اللغات والأبعاد، فيما يتناسون البُعد الأهم، وهو الناس أو الإنسان، الذي يفترض أن السلطة من أجله تقوم!

ففي العراق هنالك نزف يومي لكل ألوان الطيف البشري فيما الطبقة السياسية لا تناقش إلا موضوع من هو مع الحكومة «الشرعية» أو ضدها حتى تعطيه الثواب، أو العقاب، الذي يستحقه! باعتبار أن الحكومة جاءت عن طريق الانتخابات ولا تذهب إلا بانتخابات جديدة! هذا في حين أن «الغلابة»، وهم عامة الناس يعانقون الموت يومياً بحثاً عن كسرة خبز حلال، والتأكد من العودة سالمين هم وأهاليهم إلى مساكنهم مع نهاية كل نهار! وسحابة الاحتلال الثقيلة وإفرازاتها من فرق الموت المتعددة الهوى والهوية لاتنفك من إسدال ستارتها اليومية على عاصمة الرشيد، إلا بإضفاء «الشرعية» على إزهاق أرواح ما معدله 50 جثة مجهولة الهوية!

وفي فلسطين، ورغم اختلاف الظروف والحيثيات فإن حال «الغلابة» من الناس، وهم الأكثرية، لا تختلف كثيراً عن العراق، بعدما أصبح العقلاء من الطبقة السياسية يطلقون صفة «الجيفة» على مقولة «السلطة»، في ظل حالتي التناحر والاقتتال بين الإخوة على خريطة توزيع للسلطات وضعها الاحتلال، ومع ذلك لا تنفك الأغلبية الساحقة من الطبقة السياسية تجادل على حقوقها «الشرعية» الانتخابية أو الدستورية!

وفي أفغانستان ليست الحال بأحسن مما هي عليه في العراق أو فلسطين، إذا لم تكن أسوأ بكثير باعتبار المعايير هناك مقلوبة كلها، ولاأحد من العقلاء يمكن أن يتفهم أصلا سر بقاء هذا «الكراكوز الانتخابي»، الذي اسمه «حكومة كرزاي»، والذي صار مضرب المثل لكل تنصيب احتلالي محتمل في مكان جديد في العالم! إلا عندما نتذكر ذلك التناحر، وما سماه البعض في حينه بـ «اقتتال الدمار الشامل للإخوة المجاهدين»! وكيف أخرج من بطنه المرحلة الطالبانية، وفيما بعد تداعياتها التراجيدية الاحتلالية «الشرعية» الراهنة!

الأمر نفسه يكاد يتكرر في لبنان في كل لحظة بل إنه يحضر له في كل ساعة وحين، فيما الطبقة السياسية منهمكة في نقاش «دستوري ميثاقي شرعي» أصبح أكثر من عقيم في ظل الأحداث التي لم تتجاوزه فحسب، بل أخشى ما أخشاه أنها تجاوزت لبنان الوطن، الذي كنا حتى الأمس القريب نتغنى به بأنه لوحة بديعة للتسامح والتعددية والحوار والعيش المشترك مع الآخر!

لست هنا منقلبا على أحد، ولامنقضاً على «شرعية» أحد، ولا متطاولا على قامة أحد، أي أحد! ولا متخلياً عن أي من المبادئ الثورية والعقلانية التي أؤمن بإمكان الجمع بينهما بشكل متواز وخلاق، لكنني بدأت «أقرف» من هذا النقاش، بل هذه الهرطقة القاتلة حول موضوعات السيادة والاستقلال والحرية و«الشرعية» الدستورية أو الديموقراطية أو الانتخابية أو البرلمانية وكل ما يشبهها من مقولات خداعة وكاذبة ومضللة للناس «الغلابة» مهما بدت براقة أو ممتعة أو مربحة أو «ربيحة»، في نظر الطبقة السياسية العائمة على طوفان استعمار جديد، هو من نوع «الاستحمار»، الذي كان يتحدث عنه المفكر الإيراني الشهير المرحوم علي شريعتي. وما دمنا قد ذكرنا إيران، فثمة مثل إيراني شهير قد يبين الحالة «الغلط» التي نعيشها، عندما يقول المعلم لتلميذه: ضع خطاً تحت الكلمة «الغلط» في الجملة التالية: «الخسن والخسين ثلاثتهم بنات مغاوية».

 

كاتب إيراني