يسلط الصحافي زكي شهاب مؤلف كتاب «حماس من الداخل» في فصلي «علاقات حماس الدولية» و«الارتباط بتنظيم القاعدة»، الضوء على ظروف تأسيس الحركة لعلاقاتها الخارجية، وعما إذا كانت التقارير بشأن ارتباطها بالقاعدة صحيحة أم لا.

Ad

علاقات «حماس» الدولية

مع اكتساب «حماس» المزيد من الدعم خلال سنوات الانتفاضة الاولى، قامت بإضافة قسم الشؤون الخارجية إلى بنيتها السياسية، في ذلك الوقت، شعرت قيادتها بأنها قوية بما يكفي لكي تستقل عن حركة الاخوان المسلمين وتصبح كياناً قائماً بذاته.

عندما أقامت «حماس» مكتباً سياسياً لها في الاردن، كانت أقنية الاتصال مع الحكومة المضيفة تمرّ من خلال أجهزتها الامنية، فيما كان الشيخ ياسين في السجن، نقلت القيادة إلى الدكتور موسى أبو مرزوق الذي منعته إسرائيل من العودة إلى غزّة في عام 1989، فاستقر في الاردن.

على المستوى السياسي، كانت العلاقات جيدة نسبياً مع الاردن، خصوصاً بعد غزو القوات العراقية للكويت، ما أرغم قادة «حماس» في الكويت على الانتقال الى العاصمة الاردنية عمّان.

ظن الكثيرون في ذلك الوقت، بأن الحكومة الاردنية ستستخدم «حماس» كأداة تفاوض في أي نزاع قد يندلع مع منظمة التحرير الفلسطينية.

لكن الدولة المضيفة بدأت تنقلب على «حماس» عندما أغفلت عن إبلاغ الحكومة الاردنية بنيّتها التخطيط لعمليات عسكرية انطلاقاً من عمّان، تمهيداً لتنفيذها في الاراضي المحتلة، كذلك، لم تعرف قيادة الاخوان المسلمين في الاردن أي شيء عن نيات «حماس».

في عام 1991، تظاهرت حركة الاخوان المسلمين وقيادة «حماس» بالاستغراب والمفاجأة، عندما ابلغها مسؤول أمني رفيع المستوى في الاردن بأن حكومته داهمت أربعة مخابئ كبرى للاسلحة في العاصمة الاردنية، تحوي رشاشات ثقيلة ومدافع، لقد قدرت قيمة الاسلحة المصادرة بنحو مليون دينار اردني أو 1،5 مليون دولار أميركي، واعتقل تسعة ناشطين من «حماس» وسجنوا لمدة تسعة أشهر، إلى أن أطلق العاهل الأردني سراحهم بموجب عفو ملكي.

كانت هذه بداية نهاية سياسة التسامح التي اعتمدتها الحكومة الأردنية مع «حماس»، فقد تشددت في مواقفها ضدّ الحركة، وبدأت تراقب نشاطاتها عن كثب، ثم شرع كل من الحكومة الأردنية والجناح العسكري لـ «حماس» يبحث عن آلية لادارة علاقتهما.

في عام 1993، عقد لقاء في مكتب رئيس الوزراء الاردني زيد بن شاكر، حضره قادة «حماس»، الدكتور أبو مرزوق وإبراهيم غوشه، ومحمد نزال وعماد علمي وغيرهم، تلا هذا الاجتماع لقاء آخر جرى في مقر قيادة الاستخبارات العامة، من أجل تحديد طبيعة العلاقة وإبلاغ الحركة بما هو مسموح لها القيام به وما هو ممنوع عليها، فقد أبلغت «حماس» بكل وضوح بأنه يحق لها فقط ممارسة النشاطات الاعلامية والسياسية التي لا تعرّض المصالح الاردنية للأذى، بالتالي، كانت النشاطات العسكرية ممنوعة، وأصبحت أجهزة الاستخبارات الأردنية تراقب «حماس» بارتياب وشك، خوفاً من ان تتحول إلى منظمة عسكرية تهدد الامن الاردني الداخلي. فصارت تعتقل قياداتها كلما شعرت بأن هناك سبباً يدعو إلى القلق، وقد ازدادت تيقظاً بعدما وضعت يدها على اسطوانة مدمجة تحتوي معلومات مفصلة عن نشاط المنظمة في الضفة الغربية وغزّة، في نوفمبر من عام 1995، ما أدى إلى مزيد من الاعتقالات.

كما فعلت «فتح» في أواخر الستينيات، بدأت «حماس»، في بداية السبيعنيات، تعلن مسؤوليتها عن هجمات تنفذها داخل اسرائيل، فقامت الحكومة الاردنية، بحكم اتفاق السلام الذي وقعته مع اسرائيل في عام 1994، بترحيل الدكتور أبو مرزوق وعماد علمي.

اعتقل أبو مرزوق لاحقاً في الولايات المتحدة وألصقت به تهم غير مثبتة بممارسة الارهاب، وعلى الرغم من علاقة الاردن المتوترة مع «حماس»، لعب الملك حسين دوراً في اطلاق سراح أبو مرزوق، وفي عام 1997، أعطى الاذن إلى الولايات المتحدة بترحيله مجدداً الى الاردن.

على الرغم من هذه المواقف، ومن بينها تلويح الملك الأردني الراحل حسين بإعدام عميلي الموساد اللذين حاولا اغتيال خالد مشعل، ازداد التوتر بين «حماس» والحكومة الاردنية، أقله لأن الحركة باتت تهدد التوازن القائم بين الحكومة وحركة الاخوان المسلمين الاردنية.

لقد اشتكت جماعة الاخوان المسلمين الى المرشد العام للحركة في مصر، مصطفى مشهور، بشأن تصرفات مشعل والقرارات التي يتخذها في الأردن، من دون استشارتها.

اعتقلت الاستخبارات الاردنية عدداً من أعضاء «حماس» المعروفين بمجموعة «الرصيفة»، في الجزء الاول من عام 1999، ما أثار انزعاج قيادة الاخوان المسلمين.

تضاعف هذا التباعد، في منتصف عام 1999، عندما اعتقلت الاستخبارات الاردنية اثنين من حراس مشعل الشخصيين لعدم حيازتهما رخصاً لاسلحتهما.

اقفال مكتبها

في 29 أغسطس من عام 1999، أصدرت الحكومة الاردنية بياناً تشير فيه إلى اقفال مكتب «حماس» في عمان، ومنع نشاطاتها، كما اصدرت مذكرة اعتقال بحق رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل ورفاقه.

بعد ثلاثة أسابيع، حشد الفرع الاردني لحركة الإخوان المسلمين أعضاءه وحلفاءه في مختلف الاحزاب والاتحادات السياسية لشنّ حملة ضد قرار الحكومة الأردنية. إلا أن ثلاثة من قادة «حماس»، بمن فيهم مشعل، الذين كانوا في زيارة إلى طهران، أذعنوا لقرار الحظر، وقرروا السفر إلى دمشق من أجل التفكير بالوضع المستجد وتفادي أي مواجهة مع السلطات الاردنية.

بهذا القرار، بلغت العلاقة بين «حماس» والاردن دركاً عميقاً ما كان يمكن تصوره يوم تدخل الملك حسين لانقاذ حياة مشعل قبل عامين، في تلك الفترة الذهبية السعيدة من هذه العلاقة، كان أبو مرزوق قادراً على الاتصال بالملك على خطه الهاتفي الشخصي، لكن زمن التعاون والتفاهم المشترك بين «حماس» والاردن انتهى إلى الأبد.

بعد ذلك، سادت الفوضى على مستوى القيادة الخارجية لـ «حماس»، الأمر الذي أدّى إلى إمساك قاعدة «حماس» في غزّة بالسلطة وسيطرتها على قرار الحركة السياسي.

مع قطر

في أوائل التسعينيات، بنت «حماس» صداقة مع قطر، عندما كان الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لا يزال ولياً للعهد، ثم تعززت تلك العلاقة عندما اصبح الشيخ حمد أميراً للبلاد في عام 1995.

كان مشعل قد ادّعى بأن الأردن يبحث عن عذر لانهاء وجود «حماس» في البلاد، مستغلا الشائعات التي تفيد عن العثور على الاسلحة وغيرها من الامور، وأعلن بأن لا صحة لأيّ من هذه الاتهامات. وافق الأردن على إطلاق سراح مشعل وغوشه شرط أن يغادرا البلاد، فتمّت مرافقتهما من السجن، في الأول من شهر نوفمبر من عام 1999، ونقلا إلى مطار ماركا في عمان، حيث استقلا طائرة خاصة، معصوبي الأعين وأيديهما مكبّلة وراء ظهريهما.

كان محمد عبدالله المحمود من وزارة الشؤون الخارجية القطرية على متن الطائرة، مكلفاً بنقل ناشطي «حماس» إلى العاصمة القطرية، الدوحة. ويذكر مشعل: «بقينا في قطر مدة عامين، حاولنا خلالها معالجة مشكلتنا مع الاردن، لكننا لم ننجح في ذلك».

عندما قام الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، وزير الخارجية القطري، بزيارة إلى الاردن قبل ترحيل مشعل إلى الدوحة، عقد لقاء خاصاً مع الملك حسين بحضور رئيس الوزراء الأردني، عبد الرؤوف الروابدة، وأثار وزير الخارجية القطري مسألة سجناء قيادة «حماس» في الاردن، وطلب إذن الملك لكي يتم ترحيلهم إلى قطر.

على سبيل المزاح، يقال إن الملك حسين علق بما يلي «لم تحتاج اليهم؟»، فكان جواب الشيخ حمد بن جاسم بأن «حماس» ستوفر للدولة القطرية غطاء مقبولاً، بما أن قطر تنوي إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل «باستقبالنا حماس ضيفة علينا، فإن هذا سيبقينا على علاقة جيدة بغيرنا من الحكومات العربية الاخرى».

كانت قطر تمارس لعبة ثلاثية الأبعاد. فهي حكومة عربية لديها أوثق العلاقات مع واشنطن، وتستضيف مقر قيادة القوات الاميركية في منطقة الخليج، أضف إلى ذلك، أنها استقبلت قادة معظم الحركات الفلسطينية الاسلامية المتطرفة، وثالثاً، من خلال قناة الجزيرة الفضائية، كانت تقدم بشكل علني مجالاً للمسؤولين الاسرائيليين لإبداء آرائهم.

لكن مشعل أنكر قيام الحكومة القطرية بأي جهود للتوسط بين «حماس» وإسرائيل، وقال «سياستنا معروفة جيداً، وليست لدينا أي نية في أي وقت، للاتصال بالجيش الصهيوني».

العلاقة بإيران

أهم علاقات «حماس» اليوم هي تلك التي تقيمها مع سورية وإيران، والعلاقة المثيرة للاهتمام هي تلك التي تقيمها بطهران، التي لطالما خصّت المجموعات الشيعية بدعمها، فيما «حماس» هي حركة مسلمة سنيّة، غير أن الارتباط بإيران أمر واقع طال أمده وأصبح متجذراً، وقد كنت شاهداً على بدايات نشأته.

بعد سقوط آخر شاه في إيران، محمد رضا بهلوي، وصل إلى مطار طهران الدولي، الإمام روح الله موسوي خميني، عائداً من منفاه في فرنسا، مظفراً. لقد حظي باستقبال الأبطال، إذ حضرت للقائه أعداد هائلة من المناصرين قدّروا بستة ملايين. لقد نصّب الخميني نفسه مرشداً أعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية الجديدة العهد.

في ظل القيادة الدينية لآية الله الخميني العظمى، انتخب أبو الحسن بني صدر رئيساً، وأصبح مصطفى محمد نجار وزيراً للدفاع، وعيّن محسن رفيق دوست قائداً للحرس الثوري.

لقد أنشئ الباسداران، كما هو معروف في إيران، لحماية نظام الثورة ومساعدة رجال الدين الحاكمين في تفعيل تطبيق الشرائع والقيم الإسلامية.

قبل خمس سنوات، نظم رجل دين إيراني نافذ تجمعاً في مدينتي صور، لم يُشهد له مثيلا ً على الأرجح منذ أيام حكم الرومان. جاء ذلك عقب تجمع حاشد مماثل أقيم في بعلبك، فوفد أكثر من مئة ألف شيعي مسلح من جميع أنحاء البقاع وجنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية، دعماً لحركة سياسية جديدة أطلقت عليها تسمية أفواج المقاومة اللبنانية وعرفت لاحقاً بـ «أمل» كاختصار لتلك التسمية.

قال الإمام موسى الصدر، وهو رجل دين ذي شعبية كبيرة في المنطقة، إن إطلاق هذه الحركة كان ضرورياً لأن الاعتداءات الإسرائيلية قد بلغت حدّها الأقصى، والسلطات اللبنانية فشلت في تأدية واجبها بحماية المواطنين. لقد شعر بأنه مجبر على تنظيم صفوف الشيعة ضمن فصيل مسلح، لحماية القرى اللبنانية الجنوبية التي كانت تتعرّض للقصف بشكل متواصل خلال المواجهات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، فالمنظمة كانت تطلق هجماتها من قواعدها العسكرية في الجنوب. كان لبنان آنذاك على شفير حرب أهلية والفئات الطائفية الأخرى - المسيحيون والدروز والسنة - كان سبق لها أن نظمت صفوفها سياسياً وشكلت ميليشيات فاعلة، أما الإقطاعيون الأثرياء فقد غادروا المنطقة عندما حوّلتها المجموعات الفلسطينية المسلحة إلى معقل حصين لها بعدما طردها الملك حسين من الأردن في عام 1971. كان هؤلاء المقاتلون أو الفدائيون كما كان يحلو لهم التعريف عن أنفسهم، قد اشتبكوا مع جيش الملك حسين في محاولة لقلب نظام الحكم الملكي في الأردن. إذاك، أعلن العاهل الأردني الأحكام العرفية، وفرض الجيش الأردني سيطرته على الأرض، وأجبر الفدائيين على المغادرة. فتوجّهوا عبر سورية إلى المنطقة الحدودية في جنوب لبنان، متخذين منها قاعدة انطلاق لعملياتهم ضدّ المستوطنات المنتشرة على طول حدود إسرائيل الشمالية.

لسنوات طويلة نشأت خلالها في مخيم برج الشمالي، كان يعتبر زعيم فتح ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات بطلا ً، أذكر سماعي المسؤولين الكبار في «فتح» يحثون أتباعهم، بناءً على تعليمات صادرة عن عرفات، على تزويد ميليشيا «أمل» الحديثة العهد والهادفة إلى إحياء الدور الشيعي بالسلاح الذي يتوافر لديهم. كسب التحالف بين حركتي فتح وأمل تأييداً شعبياً عارماً. وقد عمد الإمام الصدر، في مناسبة التجمع الحاشد الذي دعا إليه في صور، إلى إصدار فتوى دعا فيها إلى وقف أي نوع من أنواع المساعدة للإسرائيليين في حربهم ضدّ الفلسطينيين. فذاع قوله الشهير «إن التعامل مع إسرائيل حرام وضدّ إرادة الله».

لم يقتصر الوجود الإيراني في لبنان في ذلك الحين على الثوار المناهضين لحكم الشاه، فقد كان الحزب الشيوعي الإيراني «توده» وسواه من الحركات العلمانية أمثال «مجاهدي خلق»، من الحاضرين على الساحة اللبنانية، لقد انضموا إلى الفصائل الفلسطينية اليسارية الناشطة في لبنان في السبعينيات، وأصبحت الشخصيات السياسية الإيرانية وجوهاً مألوفة بالنسبة لي عندما بدأت العمل الصحافي في عدد من المطبوعات الفلسطينية واللبنانية، كان ممثلوهم يزورون مكاتب الصحف في بيروت، بشكل منتظم، لتسليم بيانات صحافية يعلنون فيها معارضتهم لنظام الشاه في طهران.

من دون تلقيهم أيّ دعوة لزيارتها، توجه عرفات والمسؤولون الثمانية والخمسون في منظمة التحرير الفلسطينية إلى طهران في 18 فبراير من عام 1979، بعد أيام قليلة على انتصار الثورة الإسلامية، كان من المقرّر أن يعقد عرفات في موسكو اجتماعات عمل إلى موائد غداء، تعقبها محادثات إلى طاولة الفطور في واشنطن، في مساع ٍ تهدف إلى كسب ودّ أي حكومة، بغضّ النظر عن توجهاتها السياسية، إن كانت ستؤثر إيجاباً على مسار الأزمة في الأراضي الفلسطينية. في تلك المرحلة المبكرة من إحيائهم المسيرة الإسلامية، فوجئ الثوار الإيرانيون بهذه الزيارة غير المقرّرة لشخصية أجنبية رفيعة المستوى. إلا أن عدداً كبيراً من المسؤولين الرسميين الإيرانيين كان في استقبال عرفات في المطار، وقد وفروا للزائر الكبير أفضل ظروف الإقامة في أرقى عنوان في العاصمة الإيرانية، في النادي الحكومي السابق في شارع «فرشته» شمال طهران.

إحدى الأحجيات الإيرانية تطرح السؤال الآتي «متى كانت المرّة الأولى التي ابتسم فيها آية الله الخميني؟» فيأتي الجواب: «المرة الأولى والوحيدة التي ابتسم فيها آية الله الخميني حين جلس إلى جانب السيد عرفات في طهران عام 1979.

لقد رحّب الزعيمان أحدهما بالآخر وتصافحا وتعانقا، حينها، تمّ التقاط صورة نادرة لآية الله الخميني، ذاك الرجل الطويل ذي اللحية البيضاء، في ثوبه وعمامته السوداوين، وهو منحن ٍ نحو عرفات الذي علت وجهه إمارات التعب وزيّنت هامتهه كوفية مرتبة بدقة، لقد تجمّدت على وجه الخميني المتجهم عادة، ابتسامة ملتبسة على غرار تلك التي تعلو ثغر الموناليزا، والتي استعصت على التفسيرات والتحليلات. لمناسبة هذا اللقاء الوديّ، أعلن الخميني أن الثورة الإسلامية «ماضية قدماً حتى تحرير القدس».

بعد ساعات من وصوله، دُعي عرفات إلى اجتماع مع آية الله الخميني دام ساعتين، وفوجئ عرفات للغاية بحدّة انتقاد الخميني للسياسة التي تنتهجها منظمة التحرير الفلسطينية، وبالمحاضرة التي طالعه بها «بشأن ضرورة التخلي عن توجهاته اليسارية والقومية وترسيخ القضية الفلسطينية على جذور إسلامية».

في خطوة لا بدّ أنها أمتعت الزعيمين، سلم الخميني عرفات مفاتيح ما كان سفارة إسرائيلية في طهران، ليصبح مقرّاً للبعثة الديبلوماسية الفلسطينية. وتمّ تعيين كبير المستشارين السياسيين لعرفات، العضو في اللجنة لمركزية لـ «فتح»، هاني الحسن، سفيراً فلسطينياً في طهران، تكريساً للتحالف الوثيق الذي قام بين الجهتين. ووفرت الحكومة الإيرانية الجديدة دعماً مالياً سخياً للمجموعات المعادية لإسرائيل، وصار التلفزيون الإيراني الرسمي يصف عمليات التفجير الانتحارية بـ «العمليات الاستشهادية».

لوحات إعلانية ترفع شعارات صاخبة من نوع «العدالة لفلسطين!» انتشرت في مختلف أرجاء البلاد، وكل مدينة إيرانية كبرى أطلقت اسم «فلسطين» على بعض من ساحاتها العامة وطرقاتها وشوارعها.

عندما زار عرفات إيران مجدّداً في 28 فبراير من عام 1981، حلّ مكان الابتسامة اللمّاحة التي علت شفاه آية الله الخميني، جموع عدائية احتشدت أمام فندق هيلتون احتجاجاً على التخلف الفلسطيني عن دعم إيران في حربها ضدّ العراق.

ظنّ صلاح زواوي، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في إيران، أن مرحلة إذلال إيران لمنظمة التحرير الفلسطينية قد بلغت حدّها، عندما استعرت نيران الانتفاضة الفلسطينية عام 1987. لقد تعمّد المتحدثون الإيرانيون ووسائل الإعلام الإيرانية التقليل من دور منظمة التحرير الفلسطينية، فيما ضخموا حجم مساهمة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في إذكاء نار الانتفاضة.

لقد حُسمت العلاقة بالضربة القاضية: يوم أحد في أواخر شهر نوفمبر من عام 1994، اقتحم طلاب ومتظاهرون من الحرس الثوري مقرّ السفارة الفلسطينية، مندّدين بمنظمة التحرير، دام الحصار ست ساعات، احتجز أثناءه السفير وموظفو السفارة كرهائن احتجاجا على توقيع اتفاقية أوسلو.

في بداية التسعينيات، قال لي ابراهيم غوشه، المتحدث باسم «حماس» في الأردن، إن علاقة «حماس» بإيران بدأت بعد وقت قصير من اجتياح العراق للكويت في الثاني من شهر أغسطس من عام 1990، حينها، كانت «حماس» عضواً مشاركاً في وفد يمثل الحركات والمنظمات الإسلامية في عدد من الدول العربية والإسلامية.

في شهر أكتوبر من عام 1991، تلقى غوشه دعوة للمشاركة في مؤتمر أقيم في طهران دعماً للانتفاضة. قال غوشه «لقد عقدنا اجتماعات على أعلى المستويات، ووافقت إيران على أن تفتح «حماس» مكتباً لها في طهران، فعيّن عماد العلمي الذي أبعده الإسرائيليون عن الأراضي الفلسطينية، ممثلاً لنا في العاصمة الإيرانية».

سورية

ترقى العلاقة الوثيقة الجامعة بين «حماس» وسورية إلى بداية التسعينيات، عندما كانت الانتفاضة الأولى لاتزال في مرحلة نشوئها وتحوّلها إلى صراع عسكري شامل.

بالتنسيق مع إيران، عارض الطرفان تفرّد عرفات في عقد اتفاقيات السلام في أوسلو ومدريد، الأمر الذي عمّق أواصر علاقتهما. عدا أن لقاءات عرفات الكثيرة بالرئيس السوري حافظ الأسد كانت، في أفضل الأحوال، فاترة.

ففي شكل عام، كان كل واحد منهما ينظر إلى الآخر بشيء من الريبة، وكان عرفات مقتنعاً بأن سورية تريد أن تحظى بالكلمة الفصل والأخيرة في أي حلّ للقضية الفلسطينية. مازلت أتذكر يوم حضرت للمرّة الأولى وأنا صحافي شاب، اجتماعاً للمجلس الوطني الفلسطيني انعقد في جامعة دمشق عام 1979. كانت تلك من المرات النادرة جدّاً، إن لم تكن الوحيدة، التي حضر فيها الرئيس حافظ الأسد اجتماعاً للمجلس الفلسطيني في المنفى.

في خطابه، أشار الأسد إلى فلسطين على أنها «القسم الجنوبي من سورية»، عرفات الذي ألقى الكلمة الختامية لأعمال المؤتمر، ردّ عليه بشيء من المزاح، مطلقاً على سورية تسمية «القسم الشمالي من فلسطين».

إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، أخرج عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية من البلاد، بعدما توافرت لهم ضمانات بتأمين سلامتهم، عوض أن يقع اختياره بشكل بديهي على دمشق كمقرّ ينتقل إليه، لما من حضور فلسطيني لافت فيها، اختار عرفات التوجه إلى تونس، حيث يمكنه، بحسب اعتقاده، أن يحافظ على استقلاليته، الأمر الذي أثار امتعاض الرئيس السوري.

عندما قام عرفات لاحقاً بزيارة سورية، آتياً من تونس، تمّ إبلاغه بأنه شخص غير مرغوب به، وطلب منه مغادرة سورية.

لم يكن عرفات معتاداً أن يتعرّض لصفعات ديبلوماسية، رافقه إلى المطار ضابط استخبارات سوري ذو رتبة متواضعة، للتأكد من مغادرته البلاد على وجه السرعة.

في السنوات اللاحقة لـ «أوسلو»، صارت أواصر العلاقات السياسية بين إيران وسورية و«حماس» و«الجهاد الإسلامي» تشتدّ إثر كل هجوم استشهادي تتبناه هذه المجموعات، أو بعد كل عملية عسكرية تعلن مسؤوليتها عنها.

افتتحت «حماس» مكتباً إعلامياً لها في دمشق، وسرعان ما انتقل أعضاء المكتب السياسي في الحركة إلى العاصمة السورية، حيث استأنفوا نشاطهم في إطار «تحالف الفصائل الفلسطينية العشر»، وأخذوا يعقدون الاجتماعات دوريّاً لتنسيق نشاطاتهم والتوصل إلى تفاهم بشأن كيفية مواجهة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والسلطة الفلسطينية. وصارت علاقة «حماس» بسورية تزداد صلابة كلما ازداد حجم التأييد لـ «حماس» في الضفة الغربية وغزّة.

الارتباط بـ «القاعدة»

بعيد غروب الشمس ، يوم 24 أبريل 2006، وقعت بشكل متزامن، ثلاثة انفجارات دمّرت مطعم «آل كابون» والمركز التجاري «الغزالة» وجسر مشاة خشبي يرتاده، عند حلول المساء، المتنزهون في منتجع «دهب» البحري في سيناء. انهمرت قطع الركام والأثاث وشظايا الزجاج القاتلة على السياح المرعوبين الجالسين لتناول العشاء أو المتجولين بين محال بيع التذكارات في أسواق «دهب». كانت تلك نهاية ذاك اليوم الهادئ الذي أمضوه في الغطس بين الصخور المرجانية التي يزدان بها خليج العقبة واستحال مساؤه عنفاً وإرهاباً ورعباً.

لاحقا لتحقيقات مكثفة أبدت أجهزة الأمن المصرية عدم ارتياحها إزاء «حماس»، وذلك بسبب الحماية والأمان اللذين وفرتهما «حماس» لبعض المتورطين في هذه الموجة من عمليات التفجير الانتحارية التي استهدفت ما بين عامي 2004 و2006 منتجعات سيناء.

وعبّر رئيس جهاز الاستخبارات المصرية الجنرال عمر سليمان لوزير الداخلية، العضو في «حماس»، سعيد صيام عن انزعاج مصر، في مستهل زيارته إلى القاهرة بعد أسابيع.

عقد اللقاء في 27 مايو 2006 في مكتب سليمان الخاص في مجمع ضخم من الأبنية يشبه مدينة مصغرة، واجه سليمان صيام بوثائق مفصلة عن المؤامرة الكامنة وراء هجمات سيناء. بين الأدلة وردت اعترافات ثلاثة أعضاء من «حماس» اعتقلتهم قوات الأمن المصرية.

قال سليمان لصيام «من جهة، أنتم تطلبون منا أن نساعدكم، بينما من جهة أخرى، أنتم تتدخلون في شؤوننا الداخلية».

كان سليمان مزوّداً بملف حافل بالأدلة التي لا يرقى إليها الشك، يفصل بدقة كيفية تورط أعضاء «حماس»، معدّداً أسماءهم ومحدّداً تحركاتهم. أصيب صيام بالارتباك والخجل. لقد أكدت مصر أنه في أعقاب تفجيرات دهب الثلاثة، تم توقيف ثلاثة أعضاء من «حماس» اعترفوا بارتباطاتهم بالتنظيم الإسلامي المتطرف المعروف بـ «التوحيد والجهاد». منذ ما يعود إلى شهر ديسمبر 2002، ورئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون يعلن بأن أفراداً من القاعدة ينشطون في قطاع غزّة، ويتوعّد بأن إسرائيل ستتخذ «جميع الخطوات لحماية نفسها من أي اعتداء». وقال «إننا نعرف بأنهم موجودون هناك. إننا نعرف أنهم موجودون في لبنان ويعملون بشكل وثيق مع حزب الله. إننا نعلم أنهم موجودون في المنطقة.»

ردّاً على تصريحات شارون في ذلك اليوم، قال ياسر عرفات أمام جمع من المراسلين في مقرّه في رام الله في الضفة الغربية: «إنها كذبة كبيرة، كبيرة، كبيرة، كبيرة، لتغطية اعتداءات شارون وجرائمه بحق شعبنا».

عندما قابلته على انفراد إلى مائدة العشاء، شرح لي عرفات بأن «أسامة بن لادن أضرّ بالقضية الفلسطينية أكثر من أي شخص آخر... لولا اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة، لكان الفلسطينيون أقرب من أي وقت مضى في تاريخهم الحديث، من تحقيق حلمهم بدولة فلسطينية مستقلة».

وتابع كلامه وهو يشكك بصدقية بن لادن، ومشدّداً على أن «ما من تصريح وحيد أو من هجوم حصل ضدّ القوات المحتلة في الضفة الغربية وغزّة، بدلاً عن ذلك، فقد أنفق ثروته على إلحاق الضرر بسمعة العرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم بجعلهم مرتبطين بالإرهاب والحقد».

قدّم قائد جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني رشيد أبو شباك أدلة مادية إلى الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا تثبت بأن «الشين بيت»، بالتعاون مع أجهزة استخبارات إسرائيلية أخرى، كان متورطاً في عملية تجنيد «دمى» لخلايا القاعدة داخل الأراضي الفلسطينية على مدى أكثر من سنة. في سياق مقابلة أجريتها مع أبو شباك في غزّة في 18 فبراير 2006، وأخرى مكمّلة للأولى عبر الهاتف من لندن، قال لي أبوشباك إن الدول الغربية أبدت اهتماماً بالغاً بهذه المعلومات، «لكنها لم تستطع أن تعد بأي شيء أو أن تتخذ أي إجراء، بما أنه لا يمكنها أن تقف ضد إسرائيل برغم علمها اليقين بأن القصة كاملة هي من صنع إسرائيلي، لكننا أبقينا هذه الدول، طوال مدة الأشهر الستة التي استغرقتها التحقيقات، على اطلاع تام بمجرياتها حتى تمكنا من كشف الحقيقة كاملة».

الدكتور محمود الزهار في مقابلة صحافية أجراها في سبتمبر 2005، أقر بأن «القاعدة» تنشط في غزّة. وأشار المتحدث باسم «حماس» إلى أنه، إضافة إلى هذا الوجود على الأرض، ثمة اتصالات هاتفية أيضاً بين غزّة ومراكز تابعة لـ «القاعدة» في بلدان أخرى. كذلك أفصح رئيس السطة الفلسطينية محمود عباس عن بعض مخاوفه في مقابلة أجرتها معه صحيفة الحياة في لندن في 2 مارس 2006، واعترف في سياقها بأن هناك أدلة على وجود لـ «القاعدة» في الضفة الغربية وغزّة، وبأن هذا «التسرب» «قد يهدد المنطقة برمتها بالخراب».

وما زاد من وقع أقوال أبو مازن مضمون رسالة مصورة للرجل الثاني في «القاعدة» أيمن الظواهري، مدتها ثلاثة وعشرون دقيقة، بثتها محطة الجزيرة التلفزيونية في 3 مارس 2006، ينتقد فيها حركة «حماس» لقبولها الجلوس جنباً إلى جنب مع أعضاء السلطة الفلسطينية الذين اتهمهم بأنهم «باعوا فلسطين» بعقدهم اتفاقيات أوسلو ومدريد للسلام، وبتوقيعهم صفقات مع إسرائيل مخالفة لتعاليم الإسلام، على حدّ قوله.