إنها لعبة!!
اتفاقية «حماس» و«فتح» لعبة استطاع اللاعبون تمريرها على «الأشقاء اليمنيين» من خلال استغلال طيبة قلوبهم... والآن وقد حصل ما حصل فإن الرئيس اليمني الذي لا يستطيع أيٌّ كان التشكيك بوطنيته وإخلاصه وعروبته سيذهب يوم السبت المقبل إلى القمة الدمشقية العرجاء بورقة منـزوعة الدسم.
«اتفاق صنعاء» الذي وُلد ولادة عسيرة ووقعه الطرفان الفلسطينيان المتنازعان، مندوبو حركة «فتح» ومندوبو حركة «حماس» وفوهات مسدسات الإحراج والتخجيل والضغط موجهة إلى رؤوسهم، أراده الرئيس علي عبدالله صالح هدية للقمة العربية التي ستنعقد بعد غدٍ في دمشق ،والتي بات مـؤكداً أنها ستكون أسوأ قمة عقدها العرب منذ أن بدأوا قممهم التي بدأت بـ«أنشاص» وتنقلت بعد ذلك بين عواصم كثيرة. لكن الفرحة بهذا الاتفاق مالبثت أن تبددت، فالفلسطينيون الذين دأبت ظروف قضيتهم المعقدة على إجبارهم على مجاملة القادة العرب و«مداهنتهم» ما إن غادروا صنعاء حتى بدأوا يتبرأون مما وقعوا عليه، وأخذ كل طرف منهم يتهم الآخر بالتراجع عما تعهد به خلف أبواب الرئاسة اليمنية «... وهكذا فكأنك يا أبا زيد ما غزيت»... ولقد انثقب الدفُّ وتفرق الخلان! كانت بداية هذه القصة أن تهيئة الأجواء لقمة ناجحة اقتضت إصدار أوامر لحركة «حماس» بأن تجنح إلى التهدئة مؤقتاً وإلى أن ينتهي عرس هذه القمة، الذي أصبح بعد كل هذه المقاطعات والتمزقات أكثر مأساوية من المأتم، وهكذا فقد جاءت المبادرة اليمنية، التي لاشك في أن دوافعها صادقة ومخلصة، لتحرك الحوار الفلسطيني-الفلسطيني الذي بقي يتواصل على مدى نحو عشرين عاماً وبقي يراوح مكانه ولم يؤد إلى أي نتيجة. وإلى جانب هذا فقد صدرت الأوامر إلى «المجاهد» خالد مشعل أن يوقف جهاده الصاروخي وأن يـُحمِّل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف رسالة إلى «العدو الصهيوني» يبدي فيها استعداداً صادقاً ومخلصاً... «والله على ما يقول شهيد» لهدنة طويلة... طويلة ومن دون أي شروط لا مسبقة ولا لاحقة والهدف بالطبع هو «تمرير» عرس هذه القمة على خير وإظهار دمشق على أنها تملك مفاتيح التصعيد والتهدئة في الوقت ذاته. لقد أصرت «فتح»، لأنها تعرف أن كل ما تريده «حماس» هو التلاعب بعامل الوقت وهو الاستجابة لرغبة الرئيس عبدالله صالح بأن يذهب إلى القمة بورقة فشلت في التوصل إليها كل محاولات إصلاح ذات البين بين «الإخوة الأعداء «، لقد أصرت «فتح» على أن المبادرة اليمنية يجب أن تؤخذ كلها دفعة واحدة، إما القبول وإما الرفض ، وذلك في حين أن «الطرف الآخر» أراد تجزئتها لتسهيل إدخالها في دائرة مغلقة والاستمرار في التحاور حول كل كلمة فيها إلى أن تصدر أوامـر جديدة من الذين يمسكون بالخيوط الخفية خلف «كواليس» مسرح العرائس! إنها لعبة استطاع اللاعبون تمريرها على «الأشقاء اليمنيين» من خلال استغلال طيبة قلوبهم... والآن وقد حصل ما حصل فإن الرئيس اليمني الذي لا يستطيع أيٌّ كان التشكيك بوطنيته وإخلاصه وعروبته سيذهب يوم السبت المقبل إلى القمة الدمشقية العرجاء بورقة منـزوعة الدسم جرى قطع رقبتها بعد أن وقع عليها الموقعون بساعات قليلة فقط، وأغلب الظن أن هذه الورقة لن تثير فضول أحدٍ ولن تتوقف عندها القمة ولو لدقيقة واحدة. إنها لعبة... وكان يجب أن يأخذ الأشقاء اليمنيون العبرة مما انتهت إليه اتفاقية مكة المكرمة واتفاقية القاهرة واتفاقيات كثيرة أخرى لم يتم الإعلان عنها... إنه من الضروري أن يدرك العرب الطيبون أن «حماس» تريد إلغاء كل شيء، وتريد أن ترث كل شيء، إنها تريد إلغاء «فتح» ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية، وإنها تريد أن تجـُبَّ ما قبلها، بحيث تكون بداية المقاومة هي بدايتها ولا يكون شهداء لهذه المقاومة إلا شهداءها... وفوق هذا فإنها تنطلق في كل ما تفعله من أنها أحد «براغي» التحالف الإقليمي الذي تقوده إيران... لا مجال إطلاقاً لتغيير هذه التوجهات التي هي «استراتيجية» ثابتة، وضعها التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» قبل أن تظهر هذه الحركة للوجود في نهايات عقد ثمانينيات القرن الماضي، ولذلك فإنه من الأفضل أن تتوقف كل محاولات التوسط والوساطة مادام أن الوضع هو هذا الوضع. * كاتب وسياسي أردني