ما يلفت النظر في أدب الطفل، على الساحة العربية، أنه غائب ومغيّب، غائب لعدم وجود إنتاج إبداعي عربي، أدبي وفني منتظم، يهتم بالطفل ويخاطب مخيلته وعقليته ووعيه، بطريقة علمية، تحمل من التسلية والفن والاحترام، بقدر ما تحمل من المعلومة المشتملة على الأصالة والعلمية والإرث الإنساني. وأدب الطفل مغيّب، لصعوبة التعامل معه، على مستوى الأفراد والمؤسسات الرسمية والأهلية، ولندرة العطاء الإبداعي العربي الأدبي للأطفال، الذي يمكن أن يولّد تياراً يشجع ويأخذ معه كتّاباً جدداً، يسايرون روح العصر بعين، ويتطلعون إلى حال ووضع الطفل العربي بالعين الأخرى.
إن غياب وتغييب أدب الطفل العربي، في زمن ثقافة العولمة، وفي ظل القنوات الفضائية الموجهة، ومواقع شبكة الإنترنت، يؤدي بالضرورة إلى نشوء أجيال من الناشئة العربية، هم أبعد ما يكونون عن قصص وأساطير تراثهم العربي الجميل، وهم بالتالي على قطيعة مع عالم اللغة العربية، خصوصا أن المناهج التي تقدمها المدارس العربية، كرّست الصورة الجامدة والثقيلة والمنفّرة للغة العربية، وخلقت فجوة معرفية ونفسية بين أجيال من الأطفال العرب وبين العربية. هدى الشوا القدومي كاتبة كويتية، خبرت اللغة الإنكليزية، وعاشت فراديس قصص الأطفال فيها، وكم صدمها فقر القصص العربية الموجهة الى الطفل؟ وكم حزَّ في نفسها أن حضارة كالحضارة الإسلامية، تصبح أبعد ما يمكن عن اهتمام أجيال من الكتاب العرب؟ وبالتالي تغيب عن عالم الناشئة والطفل العربي. لهدى الشوا رحلة خاصة مع عالم الكتابة للطفل والناشئة، فهي صاحبة كتاب «رحلة الطيور إلى جبل قاف»، الذي نالت عليه جائزة الشيخ زايد للكتاب، في فرع أدب الطفل لعام 2007، وكان لها قبله كتاب بعنوان «عنبر». الكتابان يخرجان على النمطي والسائد والفقير في الكتابة للناشئة والطفل العربي. قصة «عنبر» الصادرة عن دار قرطاس عام 2004، تقدم بشكل لافت على مستوى اللغة العربية المصفاة، وعلى مستوى رسومات الكتاب الجاذبة والمثيرة للفنان جمال عبدالرحيم، قصة ترد على لسان الفرس عنبر، وبما يحاكي مخيلة الطفل بشكل علمي وجميل ومؤثر، مستوحياً قصص التراث العربي، مستنداً الى حكاية أبو الفوارس عنتر بن شداد، أما كتاب «رحلة الطيور إلى جبل قاف» الصادر عن دار الساقي عام 2006، فيمثل خطوة متقدمة بالنسبة الى الكاتبة هدى الشوا، فهي تستحضر كتاب «منطق الطير» للعلامة فريد الدين العطار، وتعيد تقديمه بشكل يتناسب واستثارة عالم وخيال الناشئة، مزيَناً برسوم الفنانة البريطانية فانيسا هودجكينسون، وبما يضع أمام الطفل العربي حكاية يتعاضد فيها الخيال والأسطورة والرسم واللغة، لتكون آسرة لذاكرته، وبما يخلق جسراً بينه وبين تراثه من جهة، وبينه وبين لغته العربية من جهة ثانية. هدى الشوا، قالت لي: إنها لا تدعو إلى القطيعة مع عالم الآخر، لكنها تتمنى أن يُلتَفت إلى التراث العربي الإسلامي الغني والزاخر بآلاف القصص، وأن يُوظَف ذلك بشكل فني وعصري لائق، ويُقدَم إلى الطفل العربي بأحلى حلة. هدى الشوا، كاتبة محمولة بحب الطفولة، وبحب تراثها العربي الإسلامي، وقبل هذا وذاك هي عاشقة للغتها العربية، وساعية الى تأسيس كتابة للناشئة لا تقل عن أي كتابة عصرية في أي لغة أجنبية، لهدى تحية في رحلتها، ولها أماني بالنجاح.
توابل - ثقافات
رحلة هدى الشوّا
29-04-2008