تعود حالة الاحتقان هذه الى أننا مازلنا نمارس العمل السياسي بالصورة البدائية ذاتها من دون تركيز ووضوح رؤية، ومع أن الحكومة والنظام يتحملان المسؤولية الكبرى، فإنَّ المجلس والنواب والقوى السياسية تتحمل أيضاً مسؤولية أساسية في ذلك، فممارستها السياسية هي ذاتها تلك التي كانت سائدة في الخمسينيات.حالة الاحتقان السياسي التي تمر بها البلاد بحاجة إلى تركيز أكبر مما هو مبذول، وهي قبل هذا وذاك بحاجة الى خيال سياسي أكثر خصوبة وانسيابية من الجدب والجفاف الذي يطل علينا برأسه ويدس أنفه في وكر الدبابير، حصانان كل يجر العربة ذاتها في اتجاهين متعاكسين.
وحيث إن السياسة هي فن الممكن، وحيث إن المسؤولية تقع على الجميع، فقد أصبحت الحاجة ماسة إلى التوقف والتبصر قبل الاندفاع. فعلى الرغم من حدوث تطورات هيكلية وبنيوية في البناء السياسي الكويتي دعماً للمسار الديموقراطي نذكر منها؛ فصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء، وإدماج المرأة في العملية السياسية، وتفعيل قانون توارث الإمارة، من خلال مجلس الأمة، وإلغاء قانون التجمعات، وكسر احتكار إصدار الصحف اليومية، وتعديل الدوائر الانتخابية وجعلها خمسا بدلاً من خمس وعشرين، أقول رغماً عن كل هذا التطور الإيجابي الملموس والهيكلي، فإن الاحتقان السياسي قد وصل، أو كاد، إلى طريق مسدود.
وتعود حالة الاحتقان هذه إلى أننا مازلنا نمارس العمل السياسي بالصورة البدائية ذاتها من دون تركيز ووضوح رؤية. ومع أن الحكومة والنظام يتحملان المسؤولية الكبرى، فإنَّ المجلس والنواب والقوى السياسية تتحمل أيضاً مسؤولية أساسية في ذلك فممارساتها السياسية هي ذاتها تلك التي كانت سائدة في الخمسينيات.
ويبدو أن المخارج المطروحة أمامنا هي واحدة من ثلاثة سيناريوهات؛ الأول: هو استمرار الحكومة «بطة عرجاء» من خلال ترقيع في ثوبها وإضافة وزير هنا أو وزير هناك، وهو أمر تم تجريبه ويحتاج الى معجزة كاستخدام منوم مغناطيسي مثلاً. والسيناريو الثاني، وقد يكون الأكثر نجاعة، فهو رحيل المجلس والحكومة معاً من خلال حل دستوري، وتفعيل الدوائر الخمس بما قد يخلق واقعاً سياسياً جديداً، ودعونا نحلم بواقع أفضل فهو على أية حال أقل المخارج تكلفة وينسجم مع روح الدستور ومستلزمات تطوير التجربة وتفعيلها، أما السيناريو الثالث فهو الحل غير الدستوري الذي يروج له بعضهم وقد أوضحنا في مقالات سابقة بالتفصيل الممل بعدم جدوى هذا التوجه، بل وكارثيته من خلال استعراض التجارب السابقة، والذي ظن النظام بأنه سيصلح من خلاله حال البلاد فترتبت عليه مآس وكوارث، فضلا عن أنه سيجر البلاد إلى نفق مظلم وحالة من عدم الاستقرار، نسأل الله أن يجنبنا إياها ويحفظ بلادنا منها.
إلا أنه ومع كل ما يبدو من سوداوية، و«انقطاع نفس»، وانسداد طريق، فإن هناك بصيص أمل في مبادرة يقودها صاحب السمو أمير البلاد، فهو الوحيد القادر على صياغة مبادرة يجتمع على أرضيتها القوى السياسية كافة، وتتضمن في طياتها معالجة القصور الهيكلي، ويتم خلالها التفاهم على تطوير الدستور، ويتم في اطارها تشكيل رافعة حقيقية للوضع المهترئ الذي نحن فيه سائرون والجميع يتحمل فيه المسؤولية كل بقدره.