لماذا يرى النائب الدكتور سعد الشريع أن من حقه التدخل في شأن من صلاحيات السلطة التنفيذية؟ من المؤكد أن النائب لا يحبذ «المساس» بأي فرد ينتمي إلى مجموعته أو من أصدقائها، ولكن هل هذا مبرر للاستجواب؟ هل تحريك موظف أو أكثر من مواقعهم كبيرة من الكبائر التي حرَّمها الشرع أو الدستور أو أي مبدأ إداري ملزم؟قرأت محاور الاستجواب المقدم من الدكتور سعد الشريع ضد وزيرة التربية والتعليم العالي نورية الصبيح وأنا لا أعرف الاثنين وليس لي أي صلة بهما. وحاولت أن أجد في محاور النائب الشريع أي حادثة أو اتهام قامت به وزيرة التربية عامدة متعمدة يعطي للاستجواب مبرراً ويكون له دوافعه القانونية أو الأخلاقية، ولكني لم أجد أياً منها. ومع أن النائب حاول استغلال الآيات القرآنية ونصوص الدستور لتأليب الرأي العام على الوزيرة، فإنه لم يأتِ بذكر حادثة واحدة تبرر استخدام تلك الآيات والنصوص ما عدا النية بالتشهير وكسب تعاطف الجمهور.. وهذا ما زاد من سوء المقصد وسوء الاستخدام مما حرَّم الله بمحكم تنزيله وقد قال سبحانه وتعالى: «إن جاءكم فاسق بنبأ قتبينوا، أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».
ولا أعرف إن كان النائب قد استمع إلى فاسق فأقام الدنيا على الوزيرة أو أنه أباح لنفسه هذا الاستجواب بدعوة من الحزب الذي استمر طوال التجربة البرلمانية في الكويت يسعى للسيطرة على وزارتي التربية والإعلام ولم يدخر وسعاً في محاولة تحطيم أي وزير من غير اتباعهم يتولى هاتين الوزارتين.
فماذا جاء في محاور النائب المقدم لاستجواب الوزيرة؟
المحور الأول:
حاول دق إسفين بين الوزيرة ورئيس الحكومة بادعاء أن الرئيس سعى لإصلاح العلاقة مع مجلس الأمة والوزيرة عملت على تسميم هذه العلاقة وتجاهل المجلس واستخدام لغة عدائية في حديثها عن المجلس ثم اتهمها باخفاء الحقائق في قضايا من صلب سلطتها الإدارية وقراراتها بشأن بعض موظفي الوزارة سواء في نقل بعضهم أو تعيين من تراه مناسباً لبعض المراكز بوزارتها .
وحاولت هنا البحث عن مبرر واحد لهذا المحور يضعه في مصاف المخالفة الدستورية أو القانونية أو يندرج تحت إساءة استخدام السلطة بغرض المصلحة الخاصة. إن ما تقوله الوزيرة عن مجلس الأمة، حتى إن صدقت مذكرة النائب، هو ما يردده شعب الكويت وما اعتقده ويعتقده كثيرون أن نبرة الصوت العالية والتهجم المستمر والتعالي على الناس وعلى الحكومة أصبحت من العناوين اليومية لتصريحات النواب التي نقرؤها ومادة يومية نسمعها في الندوات والديوانيات عند زيارة معظم النواب لها. إن كانت كلمات نورية الصبيح تسمح بإجبارها على الوقوف على المنصة فإننا بحاجة إلى منصات كثيرة ليقف عليها معظم النواب لما بدر ويبدر منهم من كلمات كلها تعالٍ وهجوم واستخفاف بالبشر والنظم والقوانين.
نورية الصبيح إن قالت ما قالت مرة واحدة.. فإننا نردد ما ذكره النائب عن الهجوم على المجلس مرات ومرات كل يوم. وليت في النظام ما يسمح بمحاكمة النواب حتى يعرف النواب مدى التجني الذي يقومون به ضد الدستور والقوانين وضد الناس. هل يتذكر النائب كم إنسانا أهين وجرح في جلسات اللجان وفي اجتماعات المجلس؟ لم تقل نورية الصبيح واحداً في المئة مما يقوله النواب، فهاهي الوزيرة تُحاسب على رأي خاص لها؟ أكانت ستصبح وزيرة أفضل لو أشادت بالمجلس ونوابه؟ وهي تعرف ونحن نعرف أنها لو فعلت لسقطت من أعيننا جميعاً. لو كنت عضواً في مجلس الأمة لقدمت لها الاحترام لأنها امتلكت الشجاعة لتقول ما تعتقده رغم معرفتها بكثرة المتربصين ووجود تنظيم يريد السيطرة على التربية سيطرة كاملة. فوزارة التربية مصنع لتفريخ الأعضاء ومتطرفي المستقبل. ولن ترضى الجماعة عن وزير يُشتمّ من تصرفاته أن له توجهاً مخالفاً.
قرارات الوزيرة فيما يخص الوزارة التي تتحمل عبء إدارتها من صميم اختصاصها، وعندما يتباكى النائب على الدستور فإن في تدخله في سلطة الوزيرة وقراراتها الإدارية مخالفة صريحة للدستور الذي فرَّق بين السلطات. وإذا كان هناك قرار لم يعجب موظفاً فهناك قانون لحماية الموظفين يلجؤون إليه طلباً للإنصاف. فلماذا يرى النائب أن من حقه التدخل في شأن من صلاحيات السلطة التنفيذية؟ من المؤكد أن النائب لا يحبذ «المساس» بأي فرد ينتمي إلى مجموعته أو من أصدقائها، ولكن هل هذا مبرر للاستجواب؟ هل تحريك موظف أو أكثر من مواقعهم كبيرة من الكبائر التي حرَّمها الشرع أو الدستور أو أي مبدأ إداري ملزم؟ من المؤكد أن للوزيرة كل الحق في اتخاذ القرار داخل وزارتها، ومحاسبة الوزراء لا تكون لمخالفتهم لرغبات الأعضاء إنما حسب نصوص دستورية وقانونية واستنادا إلى تجاوزات واضحة ومتعمدة تنتهك الدستور والقوانين. ورغم استخدام النائب للكثير من النصوص فإن أياً منها لا ينطبق على أي من التصرفات والقرارت التي ذكرها في محوره الأول.
المحور الثاني:
أضاف النائب ما أسماه تجاوزات إدارية أخرى وكيف أن الوزيرة عيّنت أو نقلت أو فصلت من غير أساس، من وجهة نظره، مما يندرج تحت المحور الأول. لكن جاء في هذا المحور اتهام سيئ يدين الوزيرة بإهدار القيم التربوية والتعليم وبمخالفة العدالة والمساواة، وعدَّد النائب مجموعة من التصرفات والقرارت الإدارية للتأكيد على إهدار الوزيرة القيم التربوية والتعليمية.
والحقيقة أني فوجئت بتلك المغالاة الشديدة في الخصومة، فكيف تهدر الوزيرة القيم باتخاذ قرار بتعيين «فلان أو علان» أو لتغيير نتائج امتحانات في مدرسة تتحكم في امتحاناتها لجان لا دخل لأي وزير فيها حتى لو كانت المخالفة مؤكدة. ألا يخجل النائب من وصف سيدة فاضلة بمثل هذا الاتهام أم أنه قصد زيادة الجرعة لكي تقدم الوزيرة استقالتها والتخلص منها؟ يبيح النائب لنفسه أن يصفها بهذا الوصف السيئ ثم يغضب لو صرحت الوزيرة بما لا يرضي النائب. فمن أعطى النائب مثل هذا الحق؟ هل المحاسبة تقتضي التجريح والإهانة؟
(يتبع)