لا تعني الأمة الإسلامية بالضرورة نظام الخلافة المركزي في المدينة أو دمشق أو بغداد أو القاهرة أو إسطنبول، بل تعني وحدة المصالح والهدف والمصير، وتتعدد الصيغ السياسية لتحقيق ذلك ابتداءً من الدولة الوطنية القوية أو مجالس التعاون بين جارتين أو عدة جارات أو مجالس التعاون الإقليمي الذي يضم أكثر من دولة أو جامعة إقليمية عربية مثل جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي.الإسلام كما هو معروف لا يعرف حدود الأوطان أو الأعراق. فهو إيديولوجية أممية لمجموع المسلمين تحت لواء «الأمة الإسلامية»، وهي أمة لا تتكون فقط من المسلمين بل من المؤمنين جميعهم بأديان أخرى داخل الأمة الإسلامية مثل أهل الكتاب، اليهود والنصارى، والصابئة، والمجوس، وقياساً عليه أضاف القاضي عبد البر «عبدة الأوثان». ويمكن إضافة الديانات الآسيوية الأخرى كالهندوكية، والبوذية والتاوية والكونفوشيوسية.
الأمة الإسلامية أمة متعددة الأعراق والديانات. ولا تتكون فقط من المسلمين. والكل متساوون في الحقوق والواجبات. وعلى هذا الأساس أقيم «ميثاق المدينة». وهو أشبه بحلف الفضول الذي وقعه الرسول قبل البعثة لنصرة المظلوم أيا كان ضد الظالم أيا كان. وله صياغاته الحديثة في الدول الفدرالية أو الكونفدرالية أو الاتحادات مثل الاتحاد الأوروبي قولاً وعملاً، والاتحاد الأفريقي قولاً، ومثل التجمعات الإقليمية، «الآسيان» في جنوب شرق آسيا أو «النافتا» في أميركا الشمالية أو «منظمة شمال الأطلنطي» في أوروبا أو «الاتحاد السوفييتي» في آسيا.
الأمة الإسلامية واقع تجسده بعض المنظمات مثل «منظمة المؤتمر الإسلامي» على الرغم من عدم فاعليته وارتباطه بسياسات حكوماته. وتقوم على الإحساس بالأخوة بين المسلمين والتضامن مع بعضهم بعضا والدفاع عن مصالحهم المشتركة، كما أراد الأفغاني وكما تصور الكواكبي في «أم القرى». وهي ليست وحدة خيالية. مثلها مثل الأممية الاشتراكية، والعولمة الرأسمالية وتعييناتها المختلفة في الشركات المتعددة الجنسيات، ومجموعة الثماني الأكثر تصنيعاً والقائمين بالفعل ولا يعتبرهما أحد من صنع الخيال. هي وحدة التاريخ والثقافة، انعكاس التوحيد على البشر «كلكم لآدم وآدم من تراب»، وخلق البشر جميعا من نفس واحدة.
ولا تعني الأمة الإسلامية بالضرورة نظام الخلافة المركزي في المدينة أو دمشق أو بغداد أو القاهرة أو اسطنبول، بل تعني وحدة المصالح والهدف والمصير. وتتعدد الصيغ السياسية لتحقيق ذلك ابتداءً من الدولة الوطنية القوية أو مجالس التعاون بين جارتين أو عدة جارات أو مجالس التعاون الإقليمي الذي يضم أكثر من دولة أو جامعة إقليمية عربية مثل جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو كتجمع شرقي يضم آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية مثل دول عدم الانحياز والعالم الثالث، والتضامن الآسيوي - الأفريقي من دون قفز على الدولة الوطنية أو التجمعات الإقليمية في إطار من نظرية الدوائر الثلاث: الوطن والعروبة والإسلام.
ومن الطبيعي ألا يلغي الإسلام الأممي الواحد الخصائص القومية للشعوب. فهناك الإسلام الآسيوي القادم بعد أن تعب العرب من حمله على مدى أربعة عشر قرناً. الإسلام في إيران وتركيا وماليزيا وإندونيسيا والجمهوريات الإسلامية في أواسط آسيا. وهو القوة السياسية الوحيدة الفعالة في باكستان وأفغانستان. وهو من حيث السكان أكبر تجمع إسلامي من الإسلام الأفريقي أو الإسلام الأوروبي أو الإسلام الأميركي شمالاً وجنوباً. ويقوم على الإيمان الشديد وعلى التوحد بالأعراق والمذاهب والطوائف والقبائل. تغلب عليه المحافظة الدينية والممارسات الشرعية الصورية. يمارس العنف أحياناً إذا ما ضاق بالنظم السياسية التابعة للغرب.
وهناك الإسلام الأفريقي. تغلب عليه الشخصية الأفريقية والثقافة الأفريقية والفن الأفريقي، بل وبعض أشكال السحر الأفريقي والخرافات والأساطير الأفريقية كثقافة شعبية. يغلب عليه الطابع الصوفي. فقد انتشر على أيدي الطرق الصوفية، الأذكار والأوراد والسماع الذي يتفق مع الرقص الأفريقي. ويتعامل مع الوسائط وأشكال التبرك والأحجبة والطب النبوي كما هو شائع في أفريقيا. ويزداد الجانب الشعائري في الوضوء والصلاة والصوم والحج للحصول على لقب حاج. وسعيد بنظام تعدد الزوجات المتفق مع العادات الأفريقية في العائلة الكبيرة والمنزل الكبير، حيث يعيش الجميع في وئام وسلام طبقاً لنظام عادل. أصبح الاستثناء هو القاعدة والقاعدة هي الاستثناء. تكثر فيه المظاهر الاحتفالية بالمناسبات والأعياد خاصة المولد النبوي وموالد الأولياء والقديسين طبقا للعادات الأفريقية. يقوم على الترابط الاجتماعي ونظام القرابة واحترام الجار. وينأى بنفسه عن الصراعات القبلية والعرقية، وإن كان أحيانا يجعل من تطبيق الشريعة الإسلامية أحد أسباب التوتر الذي قد يصل إلى حد الصراع بين المسلمين والمسيحيين، بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي، كما هي الحال في السودان ونيجيريا، أو الجنوب المسلم والشمال الأفريقي مثل الفلبين، أو البوذي كما هي الحال في تايلاند وبورما.
وهناك الإسلام الأوروبي الذي تغلب عليه أيضاً الشعائرية للتأكيد على الهوية الجديدة للمسلم الأوروبي، الذقن والجلباب، وغطاء الرأس، ورفض العادات الغربية فى العري والحرية الجنسية. كما يرفض القيم الأوروبية مثل المادية والإلحاد ومظاهر الحياة الآلية في الصناعة والاستهلاكية في الاقتصاد. يغلب عليه التصوف والروحانية الزائدة كرد فعل على ما يسود الغرب من علم وحداثة.
وهناك الإسلام العربي، سماحته وبساطته وواقعيته وأخلاقه العملية وعقلانيته وإصلاحيته وإنسانيته. وما عرض له في المدة الأخيرة من صورية وشعائرية إنما هو وارد من شبه الجزيرة العربية من العمالة المهاجرة اليدوية والذهنية. والعنف الملتصق بالحركات الإسلامية، إنما هو عنف سياسي لجماعات سياسية ضد نظم الحكم القائمة على القهر في الداخل والتبعية في الخارج.
الإسلام الأممي لا يمنع التعددية في الفكر والممارسة. فالإسلام قادر على التأقلم مع ثقافات الشعوب وعاداتها مع إكمالها وتطويرها للإثراء المتبادل والتعلم المشترك. يقوم على الوحدة والتنوع، وحدة العقيدة وتنوع مظاهر تعبيرها. لذلك لا يقتتل المسلمان. القاتل والمقتول مدانان. القاتل لأنه قتل بالفعل، والمقتول لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه. فدم المسلم وماله وعرضه حرام لا يجوز انتهاكه. والصلح بين المتخاصمين خير حتى يفيء الجميع إلى الحق والعدل دون العدل والظلم. والتاريخ شاهد على ذلك من الأندلس حتى الصين، على الرغم من الاستثناءات هنا وهناك.
* كاتب ومفكّر مصري