عمل جبّار تناوبت على إعداده أربع مؤسسات رصينة وأصدرته في أربعة مجلّدات ضخمة ليغدو مرجعاً أساسياً مهماً للمعرفة من أجل التنمية المستدامة في الدول العربية.
ساهم العالم العربي خلال القرون السابقة في تطوير المعرفة الإنسانية كما كانت له مساهمته الفاعلة في مختلف الميادين كالطب والفلك والموسيقى والفلسفة وغيرها، حيث كان العرب مركز الإشعاع الحضاري الذي استنارت أوروبا من معارفه ما أدّى الى ظهور شتى العلوم الحديثة. هؤلاء الروّاد الذين أقاموا الدلائل والبراهين واستنبطوا النتائج وأسسوا بيوت الحكمة والجامعات والمكتبات لم يلبث أن تراجع أهلهم في العصور الأخيرة رغم إمكاناتهم الهائلة والثروات الطبيعية التي يتميز بها العالم العربيّ، وأخذوا يواجهون الكثير من المشاكل التي تتعلّق بالتنمية ومنها: مصادر المياه، نفاد مصادر الطاقة غير المتجددة، الغذاء، الصحة، التعليم، التلوّث، الأمن القومي، حقوق الإنسان، الانفاق العسكري وسواها. أمام هذه الأوضاع المستجدة برزت الحاجة الى مصدر معرفي يقدم مقارنات موثوقاً بها، شاملة ومتكاملة، تعمل على تفعيل القدرات الإنسانية من اجل ضمان أفضل الطرق لاستخدام الثروات والموارد الطبيعية والاجتماعية والمحافظة على استدامتها، فضلاً عن تنمية الفكر الخلاق والإبداع لدى المواطن العربي لبناء الاقتصاد المعرفي القائم على مهارات المعرفة والتعليم والتعلُّم مدى الحياة. نحو الكارثة هذا ما حدا الأكاديمية العربية للعلوم على إصدار هذه الموسوعة بدعم من مشروع الموسوعة العالمية للنظم الداعمة للحياة (EOLSS) الذي تشرف عليه منظمة اليونسكو التي قال مديرها السابق رينيه ماهيو: «إنّ التنمية هي العلم حتى يصبح ثقافة»، وبخاصة أن الاحصائيات في بعض التقارير العالمية تشير بشكل لا يقبل الجدل إلى أنّ الأمة العربية سائرة نحو كارثة محتمة بسبب المشاكل التي نشأت كنتيجة طبيعية لمناهج معينة من التفكير الجامد». يتضمّن الجزء الأول من الموسوعة مقدمة وافية تتألف من عدة دراسات حول الغلاف الجوّي، الدورة المائية والأعاصير، المحيط الجوّي والمائي، عوامل تكوين التربة، الحياة الفطرية، الأخطار الأرضية والجوية، الطلب على الطاقة والمياه، الأمن والتنمية واستراتيجيات التنمية المستدامة وضرورتها. التنمية المستدامة أوضحت الدراسات التي ضمها المجلد الأول أموراً أربعة: ـ إن التنمية المستدامة هي برنامج عمل تضعه كل دولة طبقاً لما هو متاح لها من مصادر الثروة الطبيعية والمالية والبشرية، وما يؤثر فيها داخلياً كالنموّ السكاني والفقر والأمية، أو خارجياً كالعولمة وتحرير التجارة والتجمعات الاقتصادية وغيرها. ـ ان النمو الاقتصادي أمر لا بد منه لمواجهة حاجات التنمية الاجتماعية بالاستخدام الرشيد لمصادر الثروة الطبيعية. 3 ــ ان التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة: النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية وحماية البيئة هي البديل الوحيد المتاح لمواكبة ما يجري في العالم ومواجهة حاجات كل شعب. 4 ـ إن تحقيق التنمية المستدامة يقتضي وضع استراتيجية تقرّر في أي اتجاه يسير النمو الاقتصادي ليحقق أكبر قدرٍ من الإفادة من مصادر الثروة الطبيعية والبشرية من اجل تحقيق التنمية الاجتماعية اللازمة للارتقاء بمستوى حياة الإنسان مع المحافظة على البيئة بكل مكوّناتها. ويأتي المجلد الثاني ليلقي الضوء على البعد البيئي انطلاقاً من تقسيم الأرض واستخدامها على المستوى العالمي ثم في العالم العربي وتحديد التغييرات التي طرأت على مدى السنين الخمس والعشرين الماضية واستعراض الطرق المتبعة في تخطيط موارد الأرض وإدارتها من أجل تنمية مستدامة. ويتناول أيضاً موارد الحياة في الوطن العربي مع التركيز على الحياة الجوفية لأهمية مستودعات هذه المياه كمصدر مهم نظراً إلى عدم وجود أنهار دائمة الجريان فيها. ولا يهمل الثروة البحرية السمكية وتحلية مياه البحر، ولا الثورة المعدنية التي يؤدي استهلاكها في الدولة النامية الى تجفيف مصادرها. أمّا المجلّد الثالث فيبحث في البعد الاجتماعي في عملية التنمية، وهو يعكس توجهات ومقاربات نظرية ومنهجية جديدة في الأدبيات الاجتماعية المعاصرة. هذا بالاضافة الى أنه إذا كان تناول موضوعات أو مفاهيم «قديمة» فإنما لا غنى عنها في تناول ما هو اجتماعي، كالبنية الاجتماعية والحركات الاجتماعية أو كالتنمية والحاجات والأسرة والتربية وما شابه. تناول أيضاً ما لم يستقرّ بعد في الكتابات العربية الأكاديمية، من نوع الفعل الاجتماعي الذي كان يُنظر إليه على أنه «عمل» اجتماعي، أو المجتمع المدني وتمكين المرأة وأبعاد العولمة الاجتماعية والربط بين حقوق الإنسان وحقوق الشعوب. المجلد الرابع والأخير من الموسوعة يغطي الموضوعات التي تعتبر أساسية في علم الاقتصاد التي يفرضها تطوّر الواقع الاقتصادي الدولي، ووزعت على خمسة أبواب: 1 ـ التنمية الاقتصادية التي تتضمن توضيح نظريات التنمية المختلفة واستراتيجيات التنمية التي اعتمدت منذ الحرب العالمية الثانية والآليات السياسية الليبرالية وتجربة بلدان شرق آسيا في التنمية. 2 ــ المشكلات الاقتصادية الكبرى اعتباراً من عوامل التضخم وظاهرة البطالة الى المديونية العامة والخارجية. 3 ـ السياسات الاقتصادية التي جرى تطبيقها منذ سبعينات القرن الماضي في موضوع الخصخصة والسياسات الاقتصادية الزراعية في البلدان العربية والسياسات الصناعية البنوية في البلدان العربية، اضافةً الى تجارب بلدان شرق آسيا في نقل التكنولوجيا وتنمية قدراتها. 4 ـ قضايا العولمة الاقتصادية التي تتيح التعريف بسيرورة هذه العولمة التي تطبع واقعنا الاقتصادي المعاصر التي يمثِّل تسارعها ظاهرة جديدة وفريدة في عالمنا. 5 ـ اقتصاديات الاستدامة وتشمل موضوع النفط والغاز الطبيعي واقتصادياتهما والشروط التي تحكم انتاج النفط، والأسباب التي تفسِّر ارتفاع أسعار البترول وتبرّره خلال السنوات الأخيرة. واقتصاديات الموارد الطبيعية من خلال التمييز بين الموارد القابلة للنفاد وتلك القابلة للتجديد مركزاًَ بشكل خاص على موضوع المياه، مختتماً بموضوع «الحوافز والغرامات الاقتصادية لحماية البيئة». إنّ هذه الموسوعة، ثمرة جهد الأكاديمية العربية للعلوم، تهدف الى تمهيد أرض العرب «لغرس وزراعة الأفكار النافعة التي تقوّم مسارهم وتدعم نهضتهم»، وقد وفّر هذا المشروع مناسبة تعاون وتشارك بين أكاديميين عرب لإنجازه، ربما تكون الأولى بهذه الحجم، والأرجح أن تشكل هذه التجربة حافزاً لدى الباحثين المشاركين أنفسهم ولدى آخرين لخوض غمار تجارب مماثلة في المستقبل. تذوّق تزداد الآن حدة المنازعات الدينية والعرقية وضوحاً. فإن هذه النوعية من الخلافات التي كانت تخفيها الحرب الباردة وتسدل عليها ستاراً كثيفاً، ظهرت الآن كقضية كبرى من قضايا النزاع المسلح. ولقد جاء في تقرير حديث من مركز فنلندا التابع لجامعة الاممم المتحدة أن هذه الازمات والمنازعات قد زادت خلال العقدين الماضيين. فبينما كانت تراوح بين 20-25 في العالم في الثمانينات وصلت في التسعينات الى نحو 65-70 نزاعاً. وتذكر وكالة الامم المتحدة للاجئين، أن ثمة شخصاً واحداً من بين كل 17 شخصاً في العالم إما لاجئ او تغير مكانه لسبب او لآخر يكون في غالبه ناتجاً عن النزاعات الدينية والعرقية.
توابل - حبر و ورق
الموسوعة العربية للمعرفة من أجل التنمية المستدامة
23-08-2007