استقالة وزير النفط والالتزام بالدستور
للأسف... ما تم ويتم منذ إقرار الدستور في عام 1962 هو «خوش» دستور نتباهى به أمام العالم متى ما حقق المصالح الآنية لبعضهم، وهو «لا يصلح للكويت» و«غلطة تاريخية» متى ما تعارض مع هذه المصالح، أو أتى تطبيقه بنتائج عكسية للأجندة الخاصة ببعض النواب أو القوى السياسية.
حسمت استقالة السيد بدر الحميضي وزير النفط السابق جدلاً دام أياما عدة كاد يتسبب في إشعال أزمة سياسية إثر إعلان أعضاء التكتل الشعبي نيتهم استجواب رئيس مجلس الوزراء، هذا الجدل الذي برزت على هامشه للعلن، بشكل ملفت ولأول مرة، الخلافات السياسية القديمة بين رئيسي السلطتين التي كادت تتطور لولا حكمة سمو الأمير.والسؤال المُلح الآن هو: إذا كانت المعارضة لعملية تدوير السيد الحميضي تتمحور حول أن ما حصل لم يكن إلا أحد مظاهر الالتفاف على الدستور ومحاولة تفريغه من محتواه، وهذا في رأينا صحيح، فهل نتوقع، بعد أن تحقق منع هذا الالتفاف باستقالة الوزير، أن يستمر الإخوة النواب في الانتصار للدستور ومنع محاولات إفراغه من محتواه؟بمعنى آخر هل سيتولى النواب، خصوصاً الذين عارضوا صراحة التدوير كونه يعطل أداة دستورية، عملية مراجعة القوانين غير الدستورية، لاسيما تلك المتعلقة بالحريات المدنية، والعمل على إلغائها؟ للأسف... لا نستطيع أن نجيب بالإيجاب هنا، والأسباب كثيرة منها أن هناك الكثير من مشاريع القوانين التي يقترحها بعض النواب ويقرونها، وهي تحمل ما تحمل من شبهات دستورية كقانون عمل المرأة مساء، كما أن هناك لجنة في مجلس الأمة تسمى لجنة دراسة الظواهر السلبية الدخيلة على المجتمع التي لا نعرف مدى دستوريتها خصوصاً في ظل مطاطية مصطلح «الظواهر السلبية الدخيلة»، ووجود المادة رقم 30 من الدستور التي تنص على أن «الحرية الشخصية مكفولة»،رغم ذلك، فإن المطالبة بالالتزام بالدستور شيء مفرح خصوصاً من قبل أعضاء مجلس الأمة، ولكن وكما يعرف الإخوة النواب فإن الدستور كل متكامل يتكون من 183 مادة، ومن غير الممكن تجزئة مواده بشكل انتقائي وحسب المصلحة السياسية، وهو ما يعتبر عبثاً به حسب الأهواء، وهذا للأسف ما تم ويتم منذ إقرار الدستور في عام 1962، فهو «خوش» دستور نتباهى به أمام العالم متى ما حقق المصالح الآنية لبعضهم وهو «لا يصلح للكويت» و«غلطة تاريخية» متى ما تعارض مع هذه المصالح، أو أتى تطبيقه بنتائج عكسية للأجندة الخاصة ببعض النواب أو القوى السياسية.وعلى أي حال، فإن موعد معرض الكتاب العربي على الأبواب وسيكون هو الاختبار الأول هنا، فعادة ما يطالب بعض أعضاء البرلمان بفرض رقابة على الكتب تتم عادة المبالغة فيها، وتفتقد المعايير الموضوعية بحيث وصلت، هذه الرقابة، إلى حد جعل أحد أبرز الناشرين الكويتيين يصفها في السابق بـ«مجزرة الكتب»، والمفروض بمن يدافع حقيقة عن الدستور أن ينتصر لحرية تداول المعلومات والبيانات والمطبوعات، وللمادة 36 من الدستور التي تنص على «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون».أما الاختبار الآخر، فهو أننا نعرف أن بعض الأخوة النواب المنسحبين من جلسة القسَم للوزراء الجدد احتجاجا على عملية التدوير، هم ممن خاضوا الانتخابات الفرعية لقبائلهم التي جرمها القانون لعدم دستوريتها، لذا يصبح لزاماً عليهم من الآن فصاعداً الالتزام بالدستور، وذلك لإثبات مصداقيتهم أمام الناس في حقيقة موقفهم الأخير، والتي ستتضح، أي مصداقيتهم، في مدى امتناعهم أو قبولهم مستقبلاً المشاركة في الانتخابات الفرعية القبلية والطائفية.باختصار، إذا لم يلتزم النواب مستقبلاً، خصوصاً المعارضين لتدوير وزير النفط السابق، بجميع مواد الدستور ومنع الالتفاف عليه حتى من قبل مجلس الأمة، فإن مصداقيتهم أمام الناس ستصبح موضع شك.