Ad

بين ليلة وضحاها أصبحت الطائفة الأرمنية الشريفة مشكوكاً في مسيحيتها وفي مواطنيتها اللبنانية، فضلاً عن التشكيك في حقها الطبيعي في الاقتراع لمن تريد، وأنه «كان عليها الوقوف على الحياد»! ولم يكن من حقها أن تتحول إلى طرف.

تابعت معركة المتن اللبناني الانتخابية الفرعية الأسبوع الماضي باهتمام بالغ لأسباب عديدة من بينها؛ أن طرفاً لبنانياً عريقاً اعتبرها بمنزلة معركة «كونية» ستتحدد على أساسها اتجاهات الرياح الدولية والإقليمية، فضلا عن المحلية، ولاسيما تحديد نوع «الرئيس العتيد» طبعاً، في حال ربح هو المعركة، كما كان موعوداً من قبل إجماع «المجتمع الدولي». ولم يخيب «المجتمع الدولي» البتة ظن الطرف اللبناني المعني عندما قرر زعيمه عشية ذلك اليوم الانتخابي الطويل القيام بهجوم دبلوماسي وقانوني وإعلامي كاسح على المرشح المضاد والتحالف العريض الذي ينتمي إليه، مهدداً إياهم بتجميد أموالهم وفرض أشد العقوبات عليهم إذا ما استمروا في ما سماه بـ «زعزعة» استقرار السلطة التي ينتمي إليها المرشح العتيد!

إذن، كانت بالفعل معركة كونية بامتياز رغم كونها انتخابات فرعية لمقعد نيابي واحد لا يقدم ولا يؤخر كثيراً في تحديد مصير البلاد والعباد كما يفترض!

لكنه لبنان الذي أعاد الأميركيون اكتشاف أهميته مجدداً على ما يبدو في إطار «ولادة الشرق الاوسط الجديد»، وعلى خلفية الفشل الذريع في العراق!

ولذلك فقد وضعوا كل ثقلهم وثقل حلفائهم وما يسمونه بإجماع المجتمع الدولي خلف المرشح الذي كان مطلوباً أن يفوز، ولو على حساب جنازة المشروع الديموقراطي للمنطقة، لأن المعركة كونية بالفعل بين من يسمونهم ويسمون أنفسهم بـ «السياديين والاستقلاليين»، حتى وإن تحالفوا مع الدول الكبرى علانية وبكل الشفافية والصراحة من جانب، وبين من نُعتوا بـ «التبعية للمحور السوري - الإيراني» على الجانب الآخر، حتى وإن كان معروفاً عنهم بطلائعيتهم في الحرب على سورية واستصدار القرار الدولي الشهير القاضي بضرورة نزع سلاح «حزب الله» المتهم بالموالاة الأبدية لإيران!

ومع ذلك كله فقد خسر المرشح المدجج بدعم المجتمع الدولي، وبدعم الاقطاع السياسي العريق، وبدعم السلالات المالية جميعها والقبائل الميليشياوية المعروفة، فيما نجح مرشح «الغلابة»؛ الذي يدخل هذا المعترك لأول مرة، لكنه بالعنوان العريض الذي عادة ما يتوق إليه جمهور الغلابة ألا وهو «التغيير والإصلاح»!

ورغم أن سياق المعركة الانتخابية على الأرض لم يَشُبه أي شائبة تذكر، فإن عقيرة الديموقراطيين والاستقلاليين والسياديين الجدد ارتفعت بشكل لا سابق له ضد فئة مستضعفة وعفيفة من الناس وبلغة لم يكن أحد يود سماعها من جديد، بعد أن ظنوا أنها ولَّت إلى غير رجعة، ألا وهي لغة الحروب الأهلية!

فبين ليلة وضحاها أصبحت الطائفة الأرمنية الشريفة مشكوكاً في مسيحيتها وفي مواطنيتها اللبنانية، فضلا عن التشكيك في حقها الطبيعي في الاقتراع لمن تريد، وأنه «كان عليها الوقوف على الحياد»! ولم يكن من حقها أن تتحول إلى طرف، وأن «تتدخل في تدمير رموز المسيحية اللبنانية»... وصارت تستحق لعنة السماء!

ثم فجأة أيضا أصبح زعيم التيار الذي ينتمي إليه المرشح الفائز، هو الآخر مشكوكاً في مسيحيته ومواطنيته وفي انتمائه لطائفته، فإذا باسمه أيضا يتحول بين ليلة وضحاها إلى الجنرال «ميشال نصر الله يان»، فقط ، وفقط، لأنه تجرأ و«تفاهم» مجرد تفاهم مع نظرائه في الوطن من شيعة وأرمن!

إن أي متتبع منصف لمجريات الأحد اللبناني المنصرم يقف مندهشاً عند هذه المحطة العنصرية والفاشية والنازية التي تفشي في الواقع حقيقة النوايا والعقلية التي تقف وراء أرباب مشروع «الشرق الاوسط الجديد»، وتجعله يبدو عارياً أمام الملأ على أنه مشروع اغتيال للديموقراطية والحرية والاستقلال والسيادة، واحتقار لكل ما هو، أو من هو، خارج «حسابات» الشركات المتعددة الجنسية الطامعة بنهب ما تبقى من إرادة الحياة في هذه الأمة بعد أن امتصوا ثرواتها المادية كلها!

 

*الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني