فروع هذا المقهى أينما سرنا نراها، في الوزارات وفي الأسواق وفي الشوارع، إلى درجة أنني أضحيت لا أستبعد أن تصرف في يوم من الأيام مشروباته عبر البطاقة التموينية. لذا والحالة هذه، فلا مجال لأن أصدق أن زيادة أسعاره راجعة إلى أن هامش الربح قد تقلص، لأن من تتقلص أرباحه لا تتمدد وتنتشر فروعه، أليس كذلك؟!وصلتني رسالة تقول إن هناك استياء كبيراً لأن المقهى الفلاني، وهو مقهى أميركي شهير جداً، قد رفع أسعار ما يقدمه من مشروبات القهوة وأخواتها للمرة الثانية خلال فترة قصيرة، وأن الكوب الذي كان سعره تسعمئة فلس قد أصبح ديناراً ومئة فلس فقط لا غير، أي بزيادة تزيد على الثلاثة والثلاثين في المئة بقفزة واحدة!
لا أدري ما تفسير هذه الزيادة الحادة، لكنني أعلم بأن فروع هذا المقهى قد انتشرت خلال السنوات الأخيرة كانتشار نار أصابت حرثاً في يوم عاصف، حتى صار اسمه في كل اتجاه، وأينما سرنا نراه، في الوزارات وفي الأسواق وفي الشوارع، إلى درجة أنني أضحيت لا أستبعد أن تصرف في يوم من الأيام مشروباته عبر البطاقة التموينية. لذا والحالة هذه، فلا مجال لأن أصدق أن الزيادة راجعة إلى أن هامش الربح قد تقلص، لأن من تتقلص أرباحه لا تتمدد وتنتشر فروعه، أليس كذلك؟!
من ناحية أخرى، لا أعرف كذلك سبب هذا الإقبال اللافت للنظر على هذه المقاهي، فشعوبنا بحسب ما أعرف ليست من الشعوب العاشقة للقهوة الأميركية وهذه «الخلطبيطات» من مشتقات القهوة، بل لعلّي أقول إنه وقبل سنوات قليلة لم نكن نشرب إلا الشاي «سادة» أو مخلوطاً بالحليب والهيل في أحسن الحالات، وإذا بنا اليوم وبعد ظهور هذه المقاهي نتزاحم عليها زرافات ووحدانا، شبابا وشيبا، رجالا ونساء، من شروق الشمس وحتى ساعة متأخرة من الليل. بل صار حتى الطلاب لا يدخلون قاعات المحاضرات إلا وأكواب القهوة بأيديهم، بالصلاة على سيدنا محمد!
على أية حال، لن أخوض في هذا أكثر، وليس المقام كذلك مقام تفسير أسباب تغير الثقافة الاستهلاكية لشعوبنا العربية تحت تأثيرات العولمة، لكنني سأطرح عوضاً عن ذلك تساؤلاً حول ماذا يمكن للمستهلك أن يفعل عندما يرفع التاجر أسعاره؟!
باستخدام حكاية هذا المقهى مثالاً، سأجيب قائلا إن أمام المستهلك أحد طريقين؛ إما أن يرفض هذه الزيادة، فيقاطع هذا المقهى ويتجه إلى غيره للحصول على القهوة ذاتها بسعر يناسبه، ويكون بذلك قد وفّر ماله، وأراح باله، وإما أن يستمر بالذهاب إليه ويدفع السعر الجديد عن يدٍ وهو صاغر، ويتوقف عن الشكوى ويحتسي قهوته بهدوء!
كلي يقين بأنه لو امتنعت نسبة معتبرة من زبائن هذا المقهى عن الذهاب إليه رفضاً لزيادة أسعاره واتجهت إلى غيره، لأعاد التفكير في ما فعل ولرجع عنه، لكن مثل هذه الخطوة الجريئة تحتاج شعباً يقظاً حياً يؤمن بحقوقه الاستهلاكية، ويثق بأنه قادر على التغيير لو أراد ذلك، لكننا والله أعلم، شعوب نائمة بالكابتشينو... أقصد بالعسل!