Ad

تاريخياً، تأسست الأحزاب السياسية قبل الممارسة الديموقراطية العليلة أو مع ولادتها، وكانت هي مفتاح قيام الأنظمة الديموقراطية، بمعنى آخر كانت هي الحصان الذي يجر عربة الديموقراطية، لكن في الكويت ولظروف سياسية تفصيلية، قد تكون مبررة في وقتها، تم وضع عربة الديموقراطية أمام الحصان لسنوات طويلة، وقد آن الأوان لتصحيح هذا الوضع.

الأحزاب السياسية هي الجناح الآخر للديموقراطية بعد الصحافة الحرة، ولعل النموذج السياسي الكويتي هو الوحيد في العالم الذي يخلو من النظام الحزبي الرسمي والمُعلن، لذلك فإن المطالبة بإشهار الأحزاب في الكويت تعد نتيجة طبيعية للحراك السياسي الذي تشهده الساحة الكويتية منذ سنوات عدة، ومؤشراً على نضج التجربة الديموقراطية وتطورها وانتقالها من مرحلة لأخرى.

وما دامت الخطوات العملية لإشهار الأحزاب قد انطلقت بالفعل، فلا يمكن وقف هذا المد السياسي، وسوف يتجسد ذلك على أرض الواقع بغض النظر عن المواقف والاجتهادات بشأن أصل فكرة الأحزاب أو تفاصيلها، فها هي الحركة الدستورية قد انضمت إلى هذا الركب بعد حزب الأمة والحركة الليبرالية والكثير من الشخصيات وجمعيات النفع العام، أما بقية القوى السياسية فسوف تأتي تباعاً.

والحقيقة أن المطالبة بإشهار الأحزاب السياسية ليست سوى تكريس وتقنين الواقع القائم أصلاً على مجموعة كبيرة من الكيانات النشطة سياسياً، والمرتبطة بمصالح ورؤى مشتركة اقتصادية أو فئوية أو عقائدية أو غيرها، وبالتالي إضفاء البعد الشرعي والقانوني عليها، لذلك، فإن الدعوة الحالية هي «لإشهار» وليس لتأسيس أو تشكيل الأحزاب السياسية!!

وانطلاقاً من هذه المعطيات الأساسية، فإن التعامل مع هذا المطلب السياسي يجب أن يتم، لاسيما من قبل الحكومة، بشكل موضوعي وليس وفق عقلية العناد والمكابرة التي عرفت بها الحكومات الكويتية منذ بدايات العهد الدستوري حتى الآن، ويكفي هذا الانتظار الطويل الذي دام لنحو نصف قرن من الزمن، فالأحزاب السياسية تاريخياً وفي معظم الديموقراطيات العريقة تأسست قبل الممارسة الديموقراطية الفعلية أو مع ولادتها، وكانت هي مفتاح قيام الأنظمة الديموقراطية، بمعنى آخر كانت هي الحصان الذي يجر عربة الديموقراطية، لكن في الكويت ولظروف سياسية تفصيلية قد تكون مبررة في وقتها، تم وضع عربة الديموقراطية أمام الحصان لسنوات طويلة، وقد آن الأوان لتصحيح هذا الوضع.

ومن أهم دواعي تفهم الحكومة - ومن قبلها الأسرة الحاكمة في الكويت - لتأسيس العمل الحزبي، هو معرفة مفاهيم وأهداف الأحزاب وفي مقدمها؛ المشاركة في السلطة، تشكيل الحكومة والمساهمة الفعلية في اتخاذ القرار، ومن بين ذلك احتمال أن يكون رئيس الوزراء أو وزراء السيادة من عامة أبناء الشعب.

لهذا، فإن الاتفاق على النموذج الحزبي وعدد الأحزاب السياسية وعقيدتها الفكرية وضمان إثرائها للعملية الديموقراطية، تعتبر من المتطلبات الرئيسية لمثل هذه الانطلاقة نحو مستقبل سياسي واعد.

وبمقارنة سريعة للنماذج الحزبية في العالم، نجد أن أكثر الديموقراطيات ثباتاً واستقراراً وتطوراً، هي تلك القائمة على أقل عدد من الأحزاب، خصوصاً نموذج الحزبين أو الثلاثة أحزاب على الأكثر، ويكون التقسيم الحزبي في ظل ذلك بين اليمين واليسار مع وجود مساحة كبيرة في الوسط تحتوي الأغلبية الصامتة، وهذا ما يفرض على الأحزاب المتنافسة مرونة الاتجاه نحو الوسط لاستقطاب أكبر قدر من الدعم الشعبي، حسب القضايا المطروحة والمتغيرة على الساحة والذوق السياسي في كل مرحلة سياسية وحقبة زمنية.

وفي الأحوال جميعها، يفترض أن تكون المنظومة الحزبية في الكويت وعاءً لدمج مكونات المجتمع وربطها بعضها ببعض، واحتوائها لأطياف الشعب المختلفة، وليس تقنين الموزاييك القائم على أسس قبلية أو طبقية أو طائفية صرفة، الأمر الذي تكثر معه الأحزاب الصغيرة والمتنافرة وتتحول إلى عبء مكلف سياسياً واجتماعياً.