الجزار الأول!

نشر في 12-02-2008 | 00:00
آخر تحديث 12-02-2008 | 00:00
 أ.د. غانم النجار

لا تقتصر الدكتاتورية للأسف على شخصية فرد واحد فهي قد تنسحب إلى عائلة أو طائفة أو عقيدة أو مذهب أو عرق أو طبقة، ولكن العقلية واحدة؛ احتكار الحقيقة وإلغاء الآخر.

لكي نفهم أهمية الديموقراطية علينا أن نفهم الشخصية الدكتاتورية والحكم الدكتاتوري فالأشياء بأضدادها. وفي الغالب فإن الشخصية الدكتاتورية تعاني اضطرابات نفسية تجعله يرى نفسه فوق البشر، بل إن بعضهم قد أوصل نفسه إلى مرتبة الألوهية.

وأظرف ما في الدكتاتور وشخصيته إصراره على أنه الأوحد، والأجمل، والأوسم، والأقدر، وكل مشتقات «الأفعل» في قاموس اللغة العربية. وقد روى لي أحد الأصدقاء أنه أثناء تجوله في إحدى الدول العربية لاحظ أنه بالإضافة إلى صور الزعيم التي تحاصرك في كل مكان، فإن ذلك الزعيم أطلق على نفسه لقب الأول ففي نقابة المهندسين هو المهندس الأول، وفي نقابة الأطباء هو الطبيب الأول، وفي نقابة المعلمين هو المعلم الأول، وفي نقابة الفلاحين هو الفلاح الأول... وتساءل صديقنا إن كان للجزارين نقابة حتى يصبح ذلك الزعيم الجزار الأول.

ويسعى الدكتاتور إلى إشاعة الخوف والرعب في قلوب الآخرين من خلال القوة التي يظهر بها أمام الجماهير من خلال هيمنته على الإعلام ولم يكن هناك أبرع من جوبلز وزير الدعاية لدى الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر الذي ألف كتابه الصغير «بروباغاندا»، أي الدعاية، الذي يشرح فيه كيف يتمكن الدكتاتور من السيطرة على الجماهير من خلال تحويلهم إلى قطيع مطيع، لا يرون في الدنيا إلا طلته البهية وطلعته الجلية، وصورته المشعة على سطح القمر. وحتى خطابات الزعيم لا تتم إلا بالليل وتحت أضواء الكشافات المرهقة.

وقد بلغ الخوف مبلغاً كبيراً لدى مساعدي دكتاتور هاييتي الأسبق دوفالييه حتى أنه عندما وصل أحد الصحافيين الأجانب لإجراء لقاء معه بناء على موعد مسبق وجدهم يرفضون إبلاغه، وعندما تساءل عن سبب الرفض أبلغوه لا يمكن أن نتحدث معه بأي أمر طالما أن اللمبة الحمراء مضاءة ... فإن مصير من يفعل ذلك سيكون الإعدام. ونصحوا الصحافي بأن يذهب إلى مكتب البريد المجاور ويبعث برسالة إلى الرئيس من خلال التلكس حيث يحتفظ الرئيس بتلكسه الخاص في مكتبه. وهكذا كان ذهب الصحافي إلى مكتب البريد وأرسل تلكساً ليخبر الرئيس بأنه موجود في المكتب وتم اللقاء.

ولا تقتصر الدكتاتورية للأسف على شخصية فرد واحد فهي قد تنسحب إلى عائلة أو طائفة أو عقيدة أو مذهب أو عرق أو طبقة، ولكن العقلية واحدة؛ احتكار الحقيقة وإلغاء الآخر. ولذلك كانت الديموقراطية، على الرغم من مثالبها، المخرج من أمراض الدكتاتورية.

** لا يوجد تحفظ؟

تعليقاً على نتائج المسابقة العالمية الأولى للرواية العربية التي انتهت منذ أيام قال الناشر رياض الريس لإذاعة الـ «بي بي سي» إنه «ليس لديه تحفظ على نتائج المسابقة على الإطلاق، فهو يتحفظ فقط على الإجراءات واللوائح و بعض شخصيات لجنة التحكيم... عدا ذلك فليس لديه أي تحفظ». التحفظ «شلون صاير، أحمر، أو أخضر؟».

back to top