منذ تأسيس مجموعات الجهاد الأولى والمتعاقبة في مصر في نهاية الستينيات من القرن الماضي، ومروراً بتشكل جماعة الجهاد الموحدة في بداية عام 1981 وحتى فبراير 1998، ظل المنتمون إلى الجماعة وإلى ذلك التيار محتفظين برؤيتهم الحركية والفكرية الجهادية المحلية القائمة على المقولة الشهيرة لمؤلف كتاب «الجهاد: الفريضة الغائبة» محمد عبدالسلام فرج الذي لعب دوراً رئيسياً في تشكيل جماعة الجهاد الموحدة وفي الإعداد لاغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات في أكتوبر 1981. وتقضي هذه المقولة بأن «العدو القريب أولى بالقتال من العدو البعيد»، أي النظم الحاكمة في الدول المسلمة، وليس العدو الخارجي الغازي والمحتل لأراضيها.

Ad

وكان توقيع أيمن الظواهري أمير جماعة الجهاد حينئذ في 22 فبراير 1998 على إعلان «الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين» مع أسامة بن لادن هو التدشين الرسمي لتحول جماعة الجهاد عن رؤيتها الفكرية والحركية الأصلية التي ظل الجهاديون المصريون مخلصين لها نحو ثلاثين عاما،ً والقاضية بأولوية قتال الحكام والأنظمة الداخلية، لكي يلتحقوا بمقولة بن لادن ونظرائه من الجهاديين الذين خاضوا الحرب ضد السوفييت في أفغانستان، وهي أن «العدو البعيد أولى بالقتال من العدو القريب». وقد نتج ذلك التحول الفكري والحركي والتحاق عدد كبير من أعضاء الجهاد خارج مصر من غير اللاجئين في أوروبا به عن عديد من العوامل، في مقدمتها الفشل المتلاحق الذي واجهته محاولات الجماعة توجيه ضربات عسكرية إلى النظام المصري داخل مصر، وما تبعها من القبض على مئات من قياداتها وأعضائها، وبخاصة جناحها العسكري، مما دفعها في نهاية المطاف إلى تفجير السفارة المصرية بإسلام أباد في نوفمبر 1995 بعملية انتحارية ضخمة كانت خاتمة عمليات الجهاد ضد أهداف مصرية. كذلك فقد كان لاقتراب أيمن الظواهري وعدد من قادة الجماعة فترة طويلة من أسامة بن لادن ومؤيديه في السودان ثم في أفغانستان، أثر واضح في التأثر به والتحول نحو إعطاء الأولوية لقتال العدو الخارجي. بيد أن ذلك لم يكن رأي الأغلبية الكبرى من قيادات الجماعة وأعضائها في مصر والدول الأوروبية، الذين أعلنوا رفضهم لهذا التحالف والتوجه الجديدين، مما اضطر الظواهري إلى التنازل طواعية عن إمارته للجماعة في النصف الثاني من عام 1999 على الأرجح.

أتى ذلك التحالف الجديد بين الجهاد الخارجي بقيادة الظواهري وأسامة بن لادن لكي يشكل اللبنة التنظيمية الأولى، في ما صار يعرف بعد ذلك باسم تنظيم «قاعدة الجهاد». وفي هذه المرحلة قام التنظيم الوليد بتنفيذ عمليتين تفجيريتين ضخمتين متزامنتين ضد السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا في السابع من أغسطس 1998، كما قام بتنفيذ عملية الهجوم على المدمرة الأميركية «إس إس كول» بالقرب من اليمن في 30 أكتوبر عام 2000، لكي يبدو واضحاً أن تشكيل التنظيم الجدي ماضٍ في طريقه. والأكثر ترجيحاً أن العلاقة بين الجهاد المصري الخارجي بقيادة الظواهري وأسامة بن لادن والمجموعات التابعة له ظلت خلال تلك المرحلة علاقة تحالف، وليست اندماجاً في تنظيم واحد حتى وقوع هجمات سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، حيث تم تشكيل هذا التنظيم. وقد أكد هذا الأمر الشريط المتلفز الذي أذيع يوم 7 أكتوبر 2007 بقناة الجزيرة، والذي حمل فيه أسامة بن لادن لقب «زعيم تنظيم القاعدة» في حين ظل لقب الظواهري هو «زعيم جماعة الجهاد المصرية»، بينما بدأ الظواهري وبن لادن وعديد من قيادات التنظيم في نوفمبر 2001 في استخدام اسم «قاعدة الجهاد» لوصف التنظيم الجديد في إشارة واضحة إلى الدمج بين تشكيلات الجناح الخارجي لتنظيم الجهاد المصري بقيادة أيمن الظواهري والتشكيلات المحيطة ببن لادن.

ويوضح تطور العلاقة بين الجهاد المصري وبن لادن أن تأثيرات الجماعة المصرية على زعيم القاعدة قد تركزت في جوانب ثلاثة: الأول هو الخبرة التنظيمية والحركية التي لم يكن بن لادن يملكها حين ذهب إلى أفغانستان في بداية الثمانينيات، وهو الأمر الذي كان يميز قيادات وأعضاء الجهاد المصريين الذين امتلكوا خبرات سابقة طويلة في العمل التنظيمي والعسكري. من ناحية ثانية، فقد كانت جماعة الجهاد سباقة في اعتماد أسلوب العمليات الانتحارية، والتي اعتمدتها «القاعدة» بعد ذلك كأسلوب مميز لها، حيث نفذ اثنان منها عملية فاشلة لاغتيال وزير الداخلية المصري السابق حسن الألفي عام 1993، وبعدها عملية تفجير السفارة المصرية بباكستان المشار إليها سابقاً، وقد أصلت الجماعة في وقت مبكر لشرعية هذا الأسلوب في التفجير بعديد من الشرائط والكتابات التي ساهم فيها الظواهري نفسه في تعليق صوتي ومكتوب له على تفجير السفارة. ومن الواضح أن الأحكام التي وضعتها جماعة الجهاد في تلك الكتابات بشأن العمليات الانتحارية تم اتباعها وتطويرها بعد ذلك ضمن صفوف «القاعدة» والجماعات الدائرة في فلكها لتصبح قاعدة نظرية وشرعية تبرر بها الكثير من هذه العمليات. وقد ظهر التأثير الثالث لجماعة الجهاد على عمل «القاعدة» في الفترة التالية للاحتلال الأميركي–البريطاني للعراق في أبريل 2003، حيث بدا واضحاً في خطابات أسامة بن لادن وأيمن الظواهري تبلور رؤية جديدة للعنف، مختلفة عما سبق للاثنين أن تبنياه منذ إعلان تأسيس الجبهة الإسلامية العالمية. ووفقاً لتلك الرؤية فإن أولويتَي القتال خلال المرحلة الراهنة تبدوان متساويتي الأهمية، ويجب القيام بهما في نفس الوقت، وهما «قتال العدو البعيد» و«قتال العدو القريب». ويعني ذلك أن التصالح الفكري والحركي بين رؤية بن لادن الأصلية، أي أولوية «قتال العدو البعيد»، ورؤية أيمن الظواهري الأصلية، أي «قتال العدو القريب»، قد تم وأصبحت الرؤية الجديدة التي تتبناها «القاعدة» كتنظيم أو كنموذج هي خليط من هاتين الرؤيتين.