وضع الخديوي إسماعيل حاكم مصر بعض مشايخ الأزهر ضمن علية المصريين، الذين يتشرفون بالمثول أمام السلطان عبدالعزيز خلال زيارته التاريخية لمصر المحروسة، ووقع الاختيار على أربعة من أكابر العلماء لكي يستقبلهم السلطان في قصر القلعة ولم تكن المقابلة تتعدى دخول العلماء القاعة السلطانية لإلقاء التحية على السلطان، ثم يعودون من حيث أتوا وهم ركوع، وطلب الخديوي من قاضي القضاة التركي أن يتكفل بتدريب الشيوخ الأربعة على هذا اللقاء، فلما استغرب العلماء أن تقتصر المقابلة على بعض الحركات من الانحناء والتسليم قال لهم القاضي إن الأمر لكذلك، فقالوا (قد فهمنا) فلما جاء دورهم دخل ثلاثة منهم وفعل كل منهم ما علمه القاضي أن يفعل، ولما جاء الدور على الشيخ العدوي دخل وانحنى عند الباب مثل السابقين ولكن سرعان ما رفع قامته وأخذ يمشي نحو السلطان بخطى وئيدة.

Ad

وصعد إلى المنصة التي يقف عليها السلطان ونظر إليه بعين ثابتة وقال «السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله» فوثب قلب الخديوي من جرأة الشيخ، ولكن الخليفة ابتسم بلطف ورد على الشيخ السلام، ثم انحنى أمامه انحناءة خفيفة، حينئذ انطلق لسان الشيخ من عقاله وأخذ يخاطب السلطان في ما يجب عليه نحو رعاياه، عندئذ امتقع لون الخديوي إسماعيل وتوقع أن يحاسبه السلطان على تصرف الشيخ العدوي ولكن المفاجأة ان ملامح الارتياح ارتسمت على وجه عبدالعزيز، فلما فرغ الشيخ من خطبته ختمها بالسلام الذي بدأها به، وخرج إلى البهو حيث وجد زملاءه في انتظاره يتميزون غيظاً ويلومونه على فعلته، فقال لهم «لماذا أنتم منزعجون... أما أنا فقد قابلت أمير المؤمنين، وأما أنتم فكأنكم قابلتم صنماً، وكأنكم عبدتم وثناً».

ثم التفت السلطان إلى إسماعيل وأمره بأن يصرف للشيخ العدوي خلعة سنية وألف جنيه جائزة.