استراتيجية الأميركيين في ما تبقى لهم من قوة تأثير في الشأن العراقي هي كيفية تصدير الأزمة العراقية إلى خارج الدائرة العراقية لتسهيل مهمة الانسحاب التدريجي و«المشرف» لقواتهم المنهكة والمتوحلة في مستنقع العراق.لم يعد سراً أن الأميركيين فشلوا في تحقيق الأهداف الأساسية المعلنة التي رسموها للعراق، وأنهم باتوا يغوصون أكثر فأكثر في أعماق المستنقع العراقي مع كل يوم إضافي يقضونه في بلاد الرافدين!
كما لم يعد سراً أيضاً أن تحالف ما يسمى بالقوات المتعددة الجنسية الذي غطى غزو العراق قد انفرط عقده مع هروب البريطانيين من البصرة!
كما لم يعد سراً أن «البطانة» السياسية التي أتت مع الاحتلال أو القوى الميليشياوية التي نشأت على أنقاض الدولة والكيان الذي فككه الأميركيون، قد تشظت وتناثرت ولاءاتها بشكل لم يعد بمقدور الأميركيين المنهكين الذين باتوا منفورين من قبل الجميع، أن يعيدوا «اللحمة» إلى بطانتهم الأساسية أو أن ينجحوا في خلق تحالف «مطمئن» يمكن أن يضمن لهم نفوذهم في حال اضطروا لتنفيذ هروب مماثل لهروب البريطانيين من أرض الرافدين، وهو قادم لامحالة عاجلاً أو آجلاً!
وهنا تأتي أهمية وخطورة «الحرب الباردة» المفتوحة منذ مدة بين واشنطن وطهران حول مستقبل المنطقة وليس مستقبل العراق فحسب، الذي بات على «كف عفريت»، حسب التقارير كافة الصادرة من الميدان!
فالأميركيون ومهما أصبحوا ضعفاء في العراق، إلا أنهم لن يرضوا أن يخرجوا منه «بخفي حنين» ! كما يقال وسيبذلون قصارى جهدهم لتعم فوضى التشظي والانفلات والتشتت العراقي إلى سائر دول المنطقة، لاسيما إيران وسورية أو حتى دول مجلس التعاون إذا ما اضطروا إلى ذلك في لحظة عسيرة ستدفعهم إلى تطبيق القول العربي الشائع «عليّ وعلى أعدائي يارب»!
وأما الإيرانيون، فإنهم مهما كانوا فرحين بتخبط عدوهم اللدود في مستنقع العراق، فإنهم ولاشك سيبقون قلقين وغير مطمئنين إلى مستقبل بلادهم ما لم يتم ضبط التشظي والانفلات العراقي في دوائر محدودة وتحت السيطرة!
من هنا، فإن استراتيجية الأميركيين في ما تبقى لهم من قوة تأثير في الشأن العراقي -وهي لا بأس بها رغم الضعف والهوان- هي كيفية تصدير الأزمة العراقية إلى خارج الدائرة العراقية لتسهيل مهمة الانسحاب التدريجي و«المشرف» لقواتهم المنهكة والمتوحلة في مستنقع العراق، الأمر الذي يعني في ما يعني تحميل البلاد العربية «وزر» الفشل الأميركي أولاً، و«أثقال» أو وطأة تنامي القوة الإيرانية الإقليمية وصعودها وجعلها تبدو الخطر الداهم على حساب الأمن القومي العربي المتهالك!
هذا بينما تبدو الاستراتيجية الإيرانية، بما لها من نفوذ قديم مكتسب ذاتياً وآخر مستجد على حساب التراجع الأميركي، أنها بصدد ما يمكن تلخيصه على الطريقة الإيرانية التي سميتها يوما «بدبلوماسية حياكة السجاد»
بالقول إنها أشبه ما تكون بـ«الإدارة المشفقة»! للفشل الأميركي والإدارة المتأملة «للانتصار» الإيراني!، الأمر الذي ظهر على لسان الرئيس أحمدي نجاد بالقول إن بلاده مستعدة «لملء الفراغ» الناتج عن الهزيمة الأميركية المرتقبة، ولكن بالتعاون مع دول الجوار العربي، لاسيما العربية السعودية.
أعرف أن هذا الكلام أثار حفيظة العديد من القوى العراقية الوطنية والعربية القومية وغير القومية، وقد يكونون محقين في ذلك لأنه أمر صادم بالفعل، لكن ذلك لم يأتِ من فراغ ولا يمكن أن يترك للفراغ.
لكن ما أعرفه أيضا أن الوقت ليس وقتاً للعتاب أو اللوم المتبادل بين الإيرانيين والعرب برأيي، بقدر ما هو وقت التشمير عن السواعد والبدء فوراً، ومن دون أي تردد أو تأخير، في البحث عن استراتيجية مشتركة لإنقاذ العراق من حالة الضياع الداخلي الذي يعيشه وتخليص أهله، كل أهله، من العبث الأميركي بما تبقى من بلاد الرافدين!
إن توازن القوى المحلي والإقليمي والدولي المحيط بالعراق لا يسمح لأي من الطرفين أن يدخل في مغامرة جديدة سواء من نوع الحروب العبثية القديمة التي أدت إلى استجلاب الشر الأميركي الراهن، ولامن نوع حروب الفوضى الهدامة التي تقترحها وتحمس عليها وتعمل من أجلها، صباح مساء، عصابة المحافظين الجدد لإنقاذ سفينتهم الغارقة التي تكاد تلامس قاع المستنقع العراقي هذه الأيام!
* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني