Ad

عجيب أمر البلد فعلاً، وعجيب أمر الحكومة، والأعجب من كليهما هو أمر البرلمان ونوابه. إن كان كشف التجنيس قد أثار كل هذه الضجة، فإن التداول الصحفي للموضوع بهذا الشكل الفضائحي المخزي والمعيب، أحرى بأن يحوز الانتباه بشكل أكبر، وهو الأحق بالتهديد بالمساءلة!

 

نواب وسياسيون وصحافيون كثر استفزهم كشف التجنيس الأخير والأسماء الواردة فيه، وهو الأمر ذاته الذي استفزنا. ولكن لكل وجهة هو موليها. استفزنا كشف التجنيس لأننا وجدناه قد تجاهل آلاف المستحقين، واكتفى بخمسمائة شخص فقط بالرغم من أن القانون يقضي بتجنيس ألفي شخص سنوياً من البدون. استفزنا الكشف لأنه شمل العشرات ممن كانوا يحملون جنسيات أخرى أصلاً، بالرغم من أن القانون مقصور على عديمي الجنسية.

لكننا مع ذلك لم نشكك بأحقية أي ممن وردت أسماؤهم في كشف التجنيس، لسبب بسيط وهو أننا لا نملك إلا أن نثق بوزارة الداخلية، وأن نثق بقرار لجانها وأجهزتها المختصة التي أعدت ذلك الكشف، وأن نثق كذلك بوزير الداخلية الذي اعتمد الكشف ورفعه لمجلس الوزراء، وأن نثق بمجلس الوزراء الذي صادق عليه.

أن يساورنا الشك بأي من هذه الجهات يعني وبكل وضوح أننا نقول إنها غير مستأمنة على أخطر مفاصل أمن البلد، وهو الأمر الذي لا نجرؤ حتى على مجرد التفكير فيه لأنها ستكون كارثة كبرى!

غيرنا، وأبرزهم صحيفة زميلة، اتخذوا وجهة أخرى، فمنذ أن ظهر كشف التجنيس وهم يشككون بالأسماء الواردة فيه، ويؤكدون حصول التجاوزات وأن أناساً من غير المستحقين قد تم تجنيسهم. بل إن الصحيفة الزميلة قد تجاوزت القول المرسل وبلغت حد نشر وثائق ومستندات شخصية على صدر صفحاتها عن بعض من تم تجنيسهم. الأمر الذي يجب أن يعلق عشرات الأسئلة عما يجري في هذا البلد؟!

السؤال الأول: هل تتهم هذه الصحيفة الزميلة الحكومة ممثلة بوزارة الداخلية وأجهزتها المختصة بالتلاعب بكشف التجنيس؟ أم أنها تقول إن الكشف هو صنيعة وزير الداخلية لوحده وأنها تتهمه هو؟ السؤال الثاني: من أين حصلت الصحيفة على هذه الوثائق؟ وهل صارت الأوراق الشخصية التي بحوزة الأجهزة الحكومية مبتذلة للصحافة بهذا الشكل الفاضح؟ السؤال الثالث والذي يوجه للنائب أحمد المليفي الذي يحمل راية الهجوم على وزير الداخلية ويهدد باستجوابه، وهو رجل قانون: كيف لم يحرك فيك ساكناً أن ترى هذا التعدي الصارخ على أسرار الناس ونشر أوراقها الثبوتية في الصحف؟ وهل سيكون هو ذاته موقفك لو رأيناها تنشر الوثائق الشخصية لأحد من أهلك وأقاربك على صدر صفحاتها؟!

والسؤال الرابع الذي أوجهه لوزير الداخلية، ألا يدل هذا الذي حصل على خرق أمني خطير في الأجهزة المسؤولة في وزارة الداخلية؟ والسؤال الخامس الذي أوجهه للحكومة: كيف نستأمنك بعد اليوم على أسرارنا وإثباتاتنا الشخصية التي عندك؟ وما الذي يضمن أن لا تظهر الصحف غداً وهي تكشف أسرار مزيد من الناس؟!

عجيب أمر البلد فعلاً، وعجيب أمر الحكومة، والأعجب من كليهما هو أمر البرلمان ونوابه. إن كان كشف التجنيس قد أثار كل هذه الضجة، فإن التداول الصحفي للموضوع بهذا الشكل الفضائحي المخزي والمعيب، الذي لا يدل على أي ذرة من روح المسؤولية أو الحياء فضلاً عن الاستخفاف بالقانون وأمن البلد، وتسريب هذه الأوراق والوثائق الرسمية، لهو أحرى بأن يحوز الانتباه بشكل أكبر، وهو الأحق بالتهديد بالمساءلة!

لمثل هذه الفضيحة في وزارة الداخلية يجب أن تتدحرج الرؤوس يا معالي وزير الداخلية ويا حكومة، ومَن قاموا بهذا الفعل المشين وسربوا مثل هذه المعلومات للصحف هم الأحق بأن تنشر صورهم على صفحات الجرائد ويفضحون لأنهم خانوا الأمانة، وإلا فإن على الحكومة برمتها أن ترحل!