ما كان ضرورياً أن يرفع «الثوار» بعد انتصار ثورتهم شعار تصدير الثورة إلى الدول العربية والإسلامية البعيدة والقريبة بما في هذا العراق، وكان المفترض أن يسعى النظام الجديد إلى بناء دولة إسلامية نموذجية تحترم شعبها، وتحرص على التسامح والتآخي الاجتماعي الداخلي، وتقيم علاقاتها الخارجية على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.لا مصلحة لأي دولة عربية، وبخاصة إذا كانت من بين الدول الواقعة مباشرة على الشاطئ الغربي للخليج الذي رفض «آيات الله» و«حجج الإسلام» بأن يصبح إسلامياً، لا فارسياً ولا عربياً، في معاداة إيران وأن تكون العلاقات معها، بعد انتصار الثورة الإسلامية وقبل ذلك، قائمة على الخـوف وعلى التطلع إلى ما وراء الحدود وعلى التوتر المستمر والشكوك المتبادلة.
والمفترض أن ما كان سائداً زمن الشاه السابق محمد رضا بهلوي قد انتهى بمجرد انتصار الثورة الإسلامية، لكن هذا للأسف لم يحدث ولم يحصل، إذْ بدل أن يكون النظام الجديد نظاماً للمسلمين كلهم لا يفرق بين مذهب وآخر، أصرَّ المعممون على تضمين دستور جمهوريتهم بنداً ينص على أن الدولة الجديدة دولة إسلامية على المذهب الجعفري الإثني عشري!
ما كان ضرورياً أن يرفع «الثوار» بعد انتصار ثورتهم شعار تصدير الثورة إلى الدول العربية والإسلامية البعيدة والقريبة بما في هذا العراق، وكان المفترض أن يسعى النظام الجديد، الذي حل محل نظام أسرة بهلوي، إلى بناء دولة إسلامية نموذجية تحترم شعبها، وتحرص على التسامح والتآخي الاجتماعي الداخلي، وتقيم علاقاتها الخارجية على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وتمتنع عن التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين بمقدار رفضها لتدخل أي كان في شؤونها الخاصة.
لكن هذا لم يحدث... وللأسف وهذا هو الذي جعل معظم الدول العربية الخليجية، إن لم يكن كلها، تدعم صدام حسين في حرب الثمانية أعوام ضد إيران، فالمثل يقول «ما الذي دفعك إلى المر إلاَّ الأمر منه»، ويقيناً لو أن الثورة الإيرانية لم ترفع شعار «الثورة الدائمة»، ولم يعلن معمموها أنهم عاقدون العزم على تصدير ثورتهم إلى الدولة المجاورة والبعيدة وأنهم سيتمسكون بما كان يعتبره الشاه محمد رضا بهلوي مصالح حيوية في منطقة الخليج «الفارسي»! فلما لقي النظام «الصدَّامي» الدعم الذي لقيه ولما كانت هذه الشكوك المتبادلة كلها بين غربي هذا الخليج وشرقه المستمرة حتى الآن.
قبل أيام أطلق الرئيس محمود أحمدي نجاد تصريحات غريبة ضمنها وعداً بأن إيران ستملأ الفراغ الذي سيحصل إذا انسحبت القوات الأميركية من العراق. وقبل يومين، وفي خطبة أول جمعة رمضانية، قال مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي «إن قدرة إيران العسكرية باتت في صدارة القوى في المنطقة»... وهذا الكلام سواء كلام «الرئيس» أم كلام «المرشد» يترجمه أهل هذه المنطقة على أنه المشروع الإقليمي الذي يتحدث عنه الإيرانيون والذي لا يمكن النظر إليه إلاَّ من زاوية سعي طهران الدؤوب الى الوصول بالتخصيب النووي إلى مرحلة الأسلحة الذرية.
لماذا يريد محمود أحمدي نجاد أن تملأ بلاده الفراغ في حال انسحاب القوات الأميركية من العراق؟ ثم لماذا يفترض الرئيس الإيراني أن يحصل فراغ في هذا البلد العربي وعلى إيران أن تملأه إذا انسحبت قوات الاحتلال؟ أليس لهذا البلد أهل قادرون على ملء أي فراغ... أليس العراق دولة مستقلة ذات سيادة لا يجوز ولا يصح أن تستبدل الاحتلال والوصاية الأميركية باحتلال ووصاية إيرانية؟!
وأيضاً هل من الضروري أن يقول مرشد الجمهورية علي خامنئي إن القدرة العسكرية الإيرانية أصبحت في صدارة القوى في المنطقة؟! إن أهل هذه المنطقة عندما يترجمون هذا الكلام في ضوء هذا الذي يجري في العراق وفي لبنان وفي غزة وفي فلسطين... وفي دول عربية أخرى قريبة وبعيدة، فإن شكوكهم الحالية تزداد عمقاً وانه أمر طبيعي أن تصل تخوفاتهم، من تصدير ثورة المذهب الجعفري الإثنى عشري وفقاً لما نص عليه دستور دولة الولي الفقيه، حتى حدود الاستعداد للتعاون حتى مع الأميركيين لمواجهة هذه التحديات الوافدة... فهل تدرك طهران هذا؟!
* كاتب وسياسي أردني