ذكاء الحيوان ومآسي الإنسان

نشر في 24-12-2007
آخر تحديث 24-12-2007 | 00:00
 نادية علي الشراح «لا يكاد يكون هناك تنازع في عالم الحيوان بالمعنى البشري الذي نفهمه من هذه الكلمة، فالأسد لا يقتل الأسد، والخروف لا يقتل الخروف، وقد يكون هناك صراع دموي بشأن الأنثى، ولكنه لا ينتهي بالموت في كل حال.»

سلامة موسى

في بحث جديد نُشرت نتائجه الأولية أخيراً، هناك من يعتقد أن لدى بعض الحيوانات ذكاء كامن لم يُكتشف، نتائج ذلك البحث توحي بأن القرد ربما يكون أذكى من الإنسان في بعض الحالات. والدليل الذي عُرض، هو سرعة ودقة القرد في التأشير على مربعات تحوي أرقاماً غير مرتبة، بعد إطفاء الأنوار عن تلك الأرقام، وفاق في الدقة والسرعة منافسه الإنسان. ولعل الدليل الآخر على ذكاء وإنسانية الحيوان، أنه نادراً ما يؤذي أو يقتل إلا في حالات الجوع أو الدفاع عن النفس، ولو كان الإنسان يملك الخاصية نفسها، لكان عالمنا أفضل بكثير.

بدأ جيلي مع بداية الوعي بآثار حرب أكتوبر 73، بعدها بسبع سنوات، أفقنا على هدير طائرات تعلن اشتباك جاري الشمال والغرب في حرب بغيضة استمرت 8 سنوات. أصابنا منها بشكل مباشر تفجير هنا وقذيفة هناك، وأصابنا بشكل غير مباشر استنزاف لقدرات البلد المالية والاقتصادية تحت مبررات عديدة أبرزها التسلح العسكري، وأُصيب المجتمع بشرخ طائفي لم يبرأ منه بعد. وما كادت أجواؤنا البيئية تستعيد عافيتها بتوقف تلك الحرب البغيضة، حتى ألغت جحافل طاغية، بلدي من الوجود، وقتلت المشاعر وروح التسامح والتفاؤل لدينا، واغتالت أفضل الناس.

وأثمرت هذه البيئة التعيسة كل صنوف التطرف، فمن دولة الإسلام الصحيح في أفغانستان حيث قتلت واغتصبت المرأة لأنها عورة، وأينعت زهور الأفيون لأن الحاجة إلى بناء دولة الخلافة تبرر المحرمات، مروراً بأحداث 11 سبتمبر التي كانت محاولة لنقل المعركة إلى ساحة الكفار، إلى إحتلال العراق في عام 2003 والتي لم تنته بعد، وأسوأ ما فيها تأصيل الطائفية.

حدث ذلك كله وحياتي بالكاد تنتصف، وحدث ذلك كله بفعل فاعل، وحتماً لم يكن الحيوان طرفاً في كل ما حدث، إنها مآسي صنعها الإنسان بإقتدار يُحسد عليه. تخيلوا فقط لو أن ذكاء الإنسان استخدم كل الطاقات والموارد التي استخدمها في عمليات الهدم المذكورة، في الاتجاه النقيض، أي في الخلق والإبداع البنّاء. أليس من المحتمل أن تكون المنطقة التي عشت فيها نصف عمري قبلة للسواح والمستثمرين من كل حدب وصوب.

أرجو المعذرة، إنها أحلام العيد، أعرف أننا لا نستطيع أن نعيد التاريخ، ولكن أعرف أن من حقنا أن نستفيد من دروسه، ومن حقنا أحياناً أن نحلم. وأعرف أيضاً، أنه بغض النظر عن قناعتنا، لو ترك الأمر للحيوان، ربما فقدنا بعض مظاهر التقدم التي حققناها، ولكننا بالتأكيد كنا اجتنبنا ما صنعه الإنسان من مآسي، فاقت بمراحل كل ما حققناه.

RENDITION

فيلم يعرض حالياً في دور السينما، يتميز بالحيادية في الكشف عن مواقف جميع الأطراف المعنية بالإرهاب، وبأسلوب بسيط، واقعي، ومؤلم، جدير بالمشاهدة.

back to top