إنها دولة مدنية أيها السادة
من الممتع متابعة ردود أفعال السادة أعضاء مجلس الأمة على اقتراح إلغاء قانون منع الاختلاط. فكالعادة تفصح ردود الأفعال عن الكثير مما يفسر حال الأمة وتخلفها. فعلى سبيل المثال لا الحصر أكد الدكتور جمعان الحربش في أول يوم أن الاقتراح سيسقط لأن القانون الأساسي كان مبنياً على «قناعات شرعية ومنطقية وعلمية» من دون أن يكلف نفسه عناء شرح تلك القناعات لأنها على ما يبدو أعلى من مستوى الناخب العادي. أما زميله العمير فقد صرح «أن المشاكل في المجتمعات التي أباحت الاختلاط كثيرة جداً وخير مثال على ذلك تفشي العنوسة في المجتمعات الغربية رغم انتشار الإباحية والاختلاط، الذي وصل إلى حد الإنجاب والاقتران من دون زواج»، مؤكدا في الوقت ذاته «أن تلك حجة واهية ليس لها علاقة بتفشي العنوسة في البلاد»!! ولم نفهم حتى يومنا هذا ما علاقة العنوسة بالقانون المقترح.أما في اليوم التالي فيؤكد النائب دعيج الشمري «أن الدين والعادات والتقاليد تحتم ضرورة فصل الطلاب والطالبات»، ثم أتحفنا عبدالله عكاش بتصريحه «أن أعضاء المجلس ليسوا بإسلاميين، إنما محافظون وهم أغلبية ساحقة ولا يقبلون بمثل هذا العبث السياسي».
وبعد التفكير والتمحيص والمزيد من الدراسة استنتج محمد هايف المطيري أن مقدمي الاقتراح «كشفوا عن معتقدات فكرهم العقيم الذي يتبنى أفكاراً شاذة» لأن المشروع «يحمل دعوة مبطنة لفصل الدين عن السياسة من نواب راحوا ينادون بأن الدولة مدنية ويجب فصل الدين عن حياة الأمة». والمضحك المبكي أن ذلك الخلاف كله يتمحور حول حقيقة واحدة يرفض بعضهم استيعابها، وهي أن الكويت دولة مدنية منذ إقرار دستورها عام 1962! فالدولة المدنية بالتعريف الأكاديمي؛ هي الدولة التي يحكمها المختصون في الحكم والإدارة والسياسة وليس علماء أو رجال الدين وبذلك تضع الدولة المدنية دستوراً «يعبر عن قيم ومعتقدات وأعراف المواطنين باختلاف انتماءاتهم الدينية والثقافية والعرقية والفصل بين السلطات واكتساب الحقوق على أساس المواطنة وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو الثقافة أو العرق».. ألا يبدو ذلك مألوفاً؟ أليس ذلك روح دستور دولة الكويت المدنية؟! فاستيقظوا أيها السادة وتعاملوا مع الواقع.وإذا أخذنا بتصريح السيد عكاش وتناسينا المدخل الإسلامي لمنع الاختلاط وركزنا على «العادات والتقاليد» فلنا حق السؤال عن تلك العادات والتقاليد: أين كانت قبل قانون منع الاختلاط؟ لما كانت الكويت أقل «محافظة» في الستينيات والسبعينيات عنها اليوم؟ وماذا عن عاداتنا وتقاليدنا نحن- الآلاف من العائلات التي اختارت التعليم المشترك لأبنائها؟ أليس لنا حقوق دستورية؟ جمال الديموقراطية هو وجود البدائل والخيارات. ولم يطالب أحد قط بفرض التعليم المشترك على المحافظ والمتأسلم، فلهم كامل الحق في الحصول على مدارس خاصة وحكومية تفصل بين أبنائهم وبناتهم، ولكن لنا أيضا الحق في تعليم متوازن متماش مع قيمنا ومعاييرنا.تبقى نقطة وحيدة تستحق النقاش وهي موضوع التوقيت. إذ يرى بعضهم في توقيت هذا الاقتراح ضرباً لتعاون القوى السياسية والتعاون الحكومي والبرلماني. وتلك قد تكون نقطة صحيحة لو كان هنالك «توقيت صحيح» ! ففي ظل المتغيرات والفوضى السياسية لا يوجد فترة فراغ أو هدوء لنقاش المواضيع الخلافية. ومن ناحية أخرى فالموضوع لا يحتمل التأخير. فضغط القانون بدأ بالتأثير في الجامعات الخاصة قبل جامعة الكويت، وبدأ الطلاب والطالبات يشعرون بمعاناة تأثيرات قانون ليس له أي ضرورة منطقية أو تربوية. هذا بالإضافة إلى تهديد المتأسلمين بمد القانون ليغطي المدارس الخاصة. وهنا كان على مقدمي الاقتراح الاختيار ما بين مصالحهم السياسية المتمثلة في التعاون مع الجماعات الأخرى من جانب، ومصالح المواطنين المتمثلين في الطلاب والطالبات وعوائلهم وجامعاتهم على الجانب الآخر. إن اختيار مواجهة التكتلات النيابية الرجعية في هذا التوقيت الحرج هو توقيت شجاع يعكس بوضوح اختيار المصلحة العامة، وإن كان على حساب الخاص. وهو موقف جريء لم تعتد عليه القوى المتأسلمة التي وضعت القوى الأخرى في موقع الدفاع خلال الثلاثين عاماً الماضية.