لماذا تفشل المرأة العربية في الانتخابات العامة؟!
من يراهنون على نضج المجتمع بمفاعيل التعليم والإعلام والإصلاح السياسي والتحديث واهمون، لأن المزاج العام والتوجهات العامة لمجتمعاتنا لن تتغير تجاه النظرة الانتقاصية لدور المرأة، بل أصبحت الآن أكثر انغلاقاً وتشدّداً بدليل أن الأكثر تشدداً ضدها هو الأكثر قبولاً لدى الأوساط الشعبية.
بينما تحقق الأرجنتينية «كريستينا فرنانديز» فوزاً كاسحاً في انتخابات الرئاسة الأرجنتينية وتحصل على %40 من الأصوات في الدورة الأولى، وتتصدر الأميركية «هيلاري كلينتون» سباق الرئاسة الأميركي لتحكم أقوى دولة في العالم، نجد العمانية تخرج صفر اليدين في انتخابات «الشورى العماني» وهو مجلس بلا صلاحيات تشريعية ورقابية.لماذا النساء في العالم -غير المنطقة العربية- يصلن إلى سُدّة رئاسة الدولة والحكومة -عبر انتخابات عامة- ولا نجد امرأة عربية واحدة تستطيع حجز مقعد واحد في انتخابات عامة لمجلس نيابي أو بلدي أو محلي؟!المرأة العمانية تتمتع بوضعية اجتماعية جيدة في المجتمع العماني الذي يقدر عمل المرأة ودورها، وعلاقة الجنسين ببعضهما علاقة مميزة والنظرة المجتمعية للمرأة في عمان نظرة سوية، ومع ذلك لم تستطع مرشحة واحدة من بين إحدى وعشرين مرشحة دخول مجلس الشورى، فأصبح مجلساً ذكورياً صرفاً!ولعلّنا نتذكر أن المرأة الكويتية -أيضاً- خرجت صفر اليدين في انتخابات مجلس الأمة الكويتي العام الماضي، ولم تستطع 27 مرشحة ينافسن للوصول غزو برلمان الكويت العريق في الذكورية رغم كثافة التصويت النسائي والأغلبية العددية لهن، ولم يكن نصيب البحرينية من قبل بأفضل، وبحسب الاتحاد البرلماني الدولي فإن نسبة النساء في البرلمانات العربية ارتفعت %2 لتصل في يناير 2007 إلى %9.6 وأما خليجياً فهناك 11 سيدة في برلمان البحرين، إحداهن بالتزكية و«9» في المجلس الوطني الاتحادي، وإحداهن بانتخاب «وفق نظام مقيد»... وواحدة في المجلس البلدي القطري، و«8» في «استشاري» الشارقة.لكن مهما ارتفعت النسب أو انخفضت فإن الدلالة الأقوى لتجارب المرأة العربية في الانتخابات تثبت بوضوح أنها ومهما ارتفعت كفاءتها لا تنجح بجهودها -وحدها- في أي سباق انتخابي، حتى في الدول العربية التي حصلت فيها المرأة على حقوقها السياسية مبكراً والعريقة في الانتخابات لا توجد حتى الآن حادثة واحدة في الحياة السياسية العربية تؤكد نجاح امرأة واحدة في انتخابات عامة طبيعية، سواء في برلمان أو مجلس بلدي أو حتى «محلي» من دون دعم أو توجيه من السلطة!! ودع عنك حديث الأرقام والنسب فإن المقصود بها عملية تجميلية للمظهر الخارجي في المحافل الدولية.ومن المصادفات المدهشة اجتماع سيدات الخليج في أبوظبي في «مؤتمر البرلمانيات والنساء في مراكز صنع القرار في دول التعاون الخليجي» للبحث في سبل تمكين المرأة وتفعيل مشاركتها السياسية ودراسة أسباب فشل نجاحها في انتخابات البرلمان، في الوقت الذي حملت الأنباء فيه فشل المرأة العمانية في الانتخابات.أودّ هنا طرح سؤالين أراهما أساسيين هما:الأول: ما العوامل أو العقبات التي تعرقل أو تعوق وصول المرأة إلى المجالس البرلمانية وإلى مراكز صنع القرار العام؟ الثاني: لماذا الحرص على تمكين المرأة من الوصول إلى البرلمان والمشاركة في القرار العام؟ وما أهميته؟بالنسبة إلى السؤال الأول: فإن الاجابات عديدة منها، هيمنة الثقافة الذكورية، وسطوة التقاليد والأعراف، والروابط القبلية والعشائرية والطائفية، وتسلط الآباء والأزواج والإخوة على الصوت النسائي، وعدم اقتناع المجتمع بالكفاءة السياسية للمرأة، والقناعة السائدة بأن العمل السياسي والبرلماني من صميم عمل الرجل لا المرأة، والشفقة الكاذبة على المرأة من حمل تبعات العمل البرلماني والسياسي، وقلة خبرة المرأة أو انعدامها في المجال السياسي مقارنة بالرجل، وضعف نمط الوعي السياسي وتطوره للمجتمع العربي عامة نتيجة غياب مفاهيم التعددية واحترام الاختلاف والحوار، وعدم إيمان المجتمع العربي بمبدأ المساواة بين الجنسين بسبب ضعف التنشئة الأسرية في تفريقها بين الأخ وأخته، وغياب دور منظمات المجتمع المدني في دعم المرأة، وعدم اقتناع قيادات الأحزاب والمؤسسات المدنية والسياسية بضرورة ترشيح المرأة ودعمها، وضعف الدور الإعلامي في تصحيح صورة المرأة الناشطة سياسياً في أذهان جمهور الناخبين، والدور السلبي للخطاب الديني السائد الذي ينتقص من أهلية المرأة للعمل السياسي والبرلماني ويحذر الناس من أن ذلك يؤدي إلى اختلاطها بالرجال وحصول مفاسد وشرور وأنها إذا وصلت إلى البرلمان فستغير قوانين الأسرة لمصلحتها، فضلاً عن الفتاوى التي تُلزم المرأة بطاعة زوجها حتى لا تقع في المعصية أو تُطلّق إذا خالفت تصويت زوجها، وأخيراً هناك عقبة كبيرة هي «الغيرة النسائية» التي تجعل أغلبية النساء يفضلن التصويت للرجال (في انتخابات عُمان ذهبت أصوات عشرات الآلاف من النساء لمصلحة الرجال، وفي انتخابات الكويت العام الماضي، كانت خيبة أمل كبيرة للمرأة، إذ أسقطت المرأةُ أختها المرأةَ، وليس ذلك فحسب، بل إن المرأة -وكانت نسبة مشاركتها أكثر من الرجل- ساندت المرشحين الذين عارضوا حقوقها السياسية، وخذلت الذين ناصروا حقوقها ومنهم النائب عواد برد الذي انشق على زملائه الإسلاميين وناصر حقوق المرأة فخذلته المرأة!).الآن ما أهمية وجدوى مشاركة المرأة ووصولها إلى البرلمان والمراكز القيادية؟لقد قال تعالى «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» ولا يمكن -عقلاً وبداهةً- تفعيل هذا التغيير وتحقيق نتائجه إلا بمشاركة شاملة للجنسين، إذ لا ينجح التغيير ونصف المجتمع مشلول ومغيّب عن مجالس التشريع والرقابة وصنع القرار، ولا يمكن بناء نهضة أو إحداث تنمية متوازنة بالسير على ساق واحدة، ثم إذا قلنا إن الديموقراطية وحقوق الإنسان قيم وثقافة وسلوكيات أكثر من كونها «نظاماً سياسياً» فكيف للمرأة «المهمشة ديموقراطياً» أن تنشئ وتربي وتهيئ جيلاً مؤمناً بالديموقراطية أخلاقاً وثقافةً وسلوكاً؟ لذلك لابد من تصحيح الوضع السياسي المختل لأن مجتمعاتنا هي التي تدفع الثمن في النهاية وكذلك أجيالنا القادمة.وجود المرأة في البرلمان وفي مراكز صنع القرار -انتخاباً أو تعييناً- ليس ترفاً أو مظهراً تجميلياً أو حتى ترضية للنساء، بل ذلك ضرورة حيوية لمصلحتنا، لمصلحة المجتمع أولاً وأخيراً وليس من أجلها. وجودها جانب الرجل في البرلمان وفي المؤسسات العامة من أجل الرجل نفسه ولمصلحته ومصلحة الأسرة أيضاً لأن المرأة في البرلمان خير سند وعون لدعاة الإصلاح ومحاربة الفساد. يقول الله تعالى «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر».الآن إذاً وضحت أهمية مشاركة المرأة السياسية واقتنعنا بضرورة تمكينها وتعميق دورها وتوسيع دائرة مشاركتها وتفعيل رقابتها وولايتها فما السبل الكفيلة بذلك؟الذين يراهنون على نضج المجتمع بمفاعيل التعليم والإعلام والإصلاح السياسي والتحديث واهمون، لأن المزاج العام والتوجهات العامة لمجتمعاتنا لن تتغير تجاه النظرة الانتقاصية لدور المرأة، بل أصبحت الآن أكثر انغلاقاً وتشدّداً بدليل أن الأكثر تشدداً ضدها هو الأكثر قبولاً لدى الأوساط الشعبية، بل الأكثر اجتذاباً للأصوات النسائية، وإذا أضفنا إلى ذلك أن عوامل التمايز واللاعدل راسخة الجذور في الثقافة المجتمعية، كما أن واقع المجتمع الخليجي وطبيعة الثقافة السياسية والاجتماعية السائدة كلها ليست في مصلحتها، ولذلك ليس من المنتظر أن تتغير تلك الطبيعة أو تتطور تلك النظرة في الأمد القريب أو البعيد فلا مفرّ أمامنا من نظام «الكوتا» المعمول به عالمياً سواء في البرلمانات أو صنع القرار أو المؤسسات المجتمعية المختلفة.ومن يعارض «الكوتا» ويقول لنا: إن على المرأة أن تثبت جدارتها وأحقيتها إما أنه يتجاهل واقع مجتمعاتنا وثقافتنا وطبيعتها وإما أنه يريد استغفالنا!. كيف تستطيع المرأة أن تثبت جدارتها في مجتمع مناهض لها؟!«الكوتا» معمول بها في أعرق الديموقراطيات كالسويد التي خصصت %46 لنسائها والدانمرك %38 وفنلندا %37 وهناك 80 دولة تأخذ بها، ولا تعد «الكوتا» تمييزاً مخلاً بالمساواة بل هي «تمييز إيجابي حميد» يصحح المعادلة الانتخابية ويحقق تكافؤ الفرص بالمعنى الحقيقي.* كاتب قطري