المسؤولية اليوم ليست على عاتق وسائل الإعلام، لأنها لم تعد كياناً محدداً له أخلاق وقيم حتى يمكن تحميله أي مسؤولية، بل صارت على عاتق المشاهد - القارئ، الذي يجب عليه أن يحسن اختيار قناته وصحيفته

يتذمر كثير من الناس من عدم مصداقية الصحف، وأن كل صحيفة تنقل ما تريد بالطريقة التي تريد، وقد زاد هذا التذمر بشكل كبير أخيراًً، إذ صار من المعتاد أن يقرأ الشخص عنواناً في جريدة ما حول موضوع، وأن يجد في اليوم نفسه عنوانا آخر معاكساً له في الاتجاه ومساوياً له في المقدار في جريدة أخرى حول الموضوع ذاته !

Ad

والحق اني كنت إلى عهد قريب أشاطر هؤلاء المتذمرين تذمرهم، ولكنني وبعدما اعترتني بارقة على غرار بارقة «أرخميدس» الشهيرة، أجدني وقد اعتنقت رأياً آخر، لعله من الاختلاف بحيث انه صار يعاكس الرأي السابق تماماً في الاتجاه، وربما يفوقه في المقدار.

ألسنا في زمن الإعلام الحر؟ وأليس القانون يسمح لمن يملك المال والدوافع أن يصدر ما يريد من الصحف؟ إذن فما الغريب في تباينها واختلافها، إلى حد مجافاة بعضها للحقيقة؟ من قال إن من يملكون المال كلهم من القديسين؟ ومن قال إن كل من يصدرون وسيصدرون الصحف تسري في عروقهم دماء الوطنية والرغبة في الإصلاح الحقيقي؟!

لو كان الأمر كذلك، لما قامت حروب، ولا بادت شعوب، ولما كان هناك ناهب ومنهوب، ولربما سار الناس تصافحهم الملائكة في الطرقات!

لذا، والحالة هذه، فمن السهل، بل من الطبيعي، أن يسعى بعض الفاسدين، وربما جميعهم لو أتيحت لهم الفرصة، لأن تكون لهم قنواتهم وصحفهم، التي تلوي أعناق الحقائق وتعكس أطياف الألوان، وليس من الصعب على دينارهم أن يشتري مدير تحرير وجملة من الكتّاب والصحافيين، من مختلف التوجهات وبجميع الهيئات والأشكال، ورسام كاريكاتير، وربما اثنان، فيجلسهم واضعا بأيديهم أقلاما وأوراقا... لا يخطّون إلا ما يؤمرون!

وعليه سأقول إن المراهنة على تحلي جميع وسائل الإعلام بالمصداقية في زمن الفضاء المفتوح والتراخيص المتاحة لمن هبّ ودبّ هي مراهنة خاسرة... بل حمقاء!

لكن بالطبع، لا مانع من أن أقول إن على وسائل الإعلام أن تتحلى بالصدق والموضوعية، وأنا أعلم بأنها ستبقى مثل مقولة الآباء لأطفالهم بأن عليهم أن يلتزموا بالأخلاق الحميدة، وأن يبتعدوا عن الكذب، وستبقى الدنيا مليئة بالفاسدين والكذابين... وسرّاق المال العام!

إن المسؤولية اليوم ليست على عاتق وسائل الإعلام، لأنها لم تعد كياناً محدداً له أخلاق وقيم حتى يمكن تحميله أي مسؤولية، بل صارت على عاتق المشاهد - القارئ، الذي يجب عليه أن يحسن اختيار قناته وصحيفته، وأن يتخلص من سلبيته والتزامه بالقنوات ذاتها والصحف على الرغم من إدراكه لزيفها وكذبها لمجرد أنها الوحيدة المتاحة أمامه، وأن يتحرك للتغيير، لو أراد ذلك حقا، وليس بتلك الصعوبة أن يبحث الإنسان عن الحقيقة ويجدها.

أعتقد أنه لو قمنا جميعا بذلك، لأقفلت كثير من القنوات والصحف أبوابها، ولوجدنا الكثير من الإعلاميين المأجورين في مكانهم الصحيح... على قارعة الطريق!