قصة الحي الغربي
أعدت مشاهدة فيلم «قصة الحي الغربي» الذي عرض في بداية الستينيات أي قبل أكثر من 45 عاماً، وهو من أروع الأفلام الموسيقية الغنائية عن التعصب والعنصرية في الولايات المتحدة. ورأينا كيف كان الجهل يسيطر على عقول الناشئة، وكيف يستطيع قيادي متطرف أن يحول حياتهم إلى جحيم من التقاتل وخسارة الأرواح. وكان الفيلم دعوة جادة لنبذ التعصب والمناداة بالتعايش حتى يعيش الجميع بسلام. سبقت ذلك حروب طاحنة في الولايات المتحدة حتى تحرر العبيد وتوحدت أميركا، وإن كان لايزال هناك بعض البؤر تعيش جهل تلك العقود. الولايات المتحدة اتخذت من الإجراءات والقوانين الداخلية ما حدَّ من تلك المشاكل وحقق الوحدة الوطنية وأزال الكثير من الغبن عن الملونين فيها.
نحن في دولة الكويت نحتاج اليوم للأسف إلى مشاهدة فيلم «قصة الحي الغربي». فما يجري من إسفاف لا يقل عما كان يفعله شبيبة تلك الفترة هناك. وللأسف، فإننا نتقهقر في هذا الجانب بدلاً من أن نتطور إلى الأمام. هل يعقل ونحن في القرن الحادي والعشرين، الذي تهدمت فيه العوائق كلها بين سكان الكرة الأرضية وربما نصل إلى كسر الحواجز مع سكان كواكب أخرى، أن نظل نجتر خلافاً جري بين مجموعات من المسلمين منذ 14 قرناً؟ أين العقل في هذا كله؟ أليس من الجنون أن يتدهور مجتمع ونخاطر بمستقبل وطن لخلاف صار منذ 14 قرناً لا ناقة لنا فيه ولا جمل؟ ألا يقول السُنة والشيعة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ أنا حزين وحائر... والله حزين للتردي الذي وصلنا له ولتوقف عقولنا عن التفكير، وحائر في كيفية إعادة العقل إلى مكانه وتوحيد الكلمة في وحدة الوطن. الكل يعلم كيف تطورت الأمور في لبنان وفي غيرها من البلاد الإسلامية ومن يقف وراء الشحن الطائفي، وكيف تشتعل الأمور من قصة تافهة إلى موقف متأزم إلى احتقان ثم يأتي مجهول يطلق رصاصة أو يشعل ناراً تشعل كل ما تبقى من عقول الناس وتحرق الأخضر واليابس. التجارب أمامنا ولم ينتصر فيها سني أو شيعي ولم تجنِ بلادهم إلا الخراب والدمار وضياع الأرواح. فأين عقلنا من هذا كله؟ تصريح علي المتروك، وهو أحد العقلاء المحترمين، يجب أن يُصغى إليه، فهو يعطينا مؤشراً لما يمكن أن يؤول إليه التطرف، وهو رجل ناضج ذو تجربة بالحياة ويعي المخاطر التي تسبب بها التطرف، كما يجب أن نتنبه لما يكتبه عبداللطيف الدعيج وكتاب وطنيون آخرون يريدون لهذا البلد الخير، وأن تُحمى مؤسساته، وألا تُترك الفرصة للتغلغل بيننا لهدم مؤسساتنا الدستورية. المفترض أننا من أكثر الشعوب اطلاعاً على تجارب الآخرين. رأينا وسمعنا كيف يقوم متهور أو مهووس بتصريح يقصد به الفتنة، يتلقفه متهور أو مهووس من طرف آخر يتحين الفرصة لإشعال الفتنة، وفي لحظات يغيب العقل وتضيع بلاد. أفلا نعني ما يحدث هنا؟ وهل نترك للمهووسين والمتهورين أن يقودونا إلى الهاوية؟ هل نحن بهذه الجهالة؟ بلدنا فيه كل الخير للجميع، نختلف ونتعاون ونجتمع ونفترق بأساليب حضارية هدفنا مصلحة بلادنا... ففي بلد مثل الكويت يجوز، بل يستحب، تعدد الأفكار لكن في إطار دستور البلاد وقوانين المجتمع الموحد. إن اندس بيننا من يريد ضرب مكاسبنا فعلينا جميعاً التصدي له بالأدوات الدستورية والقانونية التي كتبناها بأنفسنا. ولنكشف كل مَن يتعدى على وحدة الشعب وليقف الجميع ضده من أي شكل أو لون كان. هذه الكويت للكويتيين كلهم، ومَن يريد شق الصف سيجد الشعب كله ضده. في البلد دستور وقوانين تضع لكل مشكل حدوده وتعامله بموجبها، أما الغوغاء والصراخ وادعاء الولاء للوطن بعزل الطرف الآخر أو تجريمه فلا مكان له في الدولة الدستورية. هنا الكل سواء لا فرق بين المواطنين باللون أو الدين أو المذهب أو الجنس وغير ذلك من الصفات الإنسانية. ومن يخالف قوانين البلاد أو يسيء إلى المجتمع بما لا يسمح به القانون فحسابه أمام المحاكم. ألا يثير التساؤل والاستغراب تبني صحف مملوكة لأفراد أو تابعة لأفراد لهم مصالح في بث الفرقة وإعادة الحكم العشائري؟ ألا يرى السُنة والشيعة وجود المتربصين لأقل هفوة ليطبلوا للفتنة وأصحابها؟ ألا توقظهم هذه الحملة التي تتباكى على الدين والوطن وفي ثناياه السم الزعاف؟ ألا نقرأ جيداً ما يكتبون؟ يصف لي أخ عراقي من الشيعة الوضع في منطقته في بغداد حيث لسنوات طوال تعايش السُنة والشيعة وتزاوجوا وأصبحوا عائلة واحدة. يقول إن الوضع الآن سيئ للغاية بعد أن أشعلت طوائف خارجية الفتنة بين السُنة والشيعة في المنطقة. ويحلف أن بعض التفحيرات بين بيوت الشيعة من صنع مجموعات شيعية وبعض التفجيرات في بيوت السُنة من عمل مجموعات سُنية، أي أن ما يحدث عامداً متعمداً لاتهام كل طرف للآخر وإشعال المزيد من الفرقة بين الأهل والمجتمع الواحد. إنهم يدركون هذا الآن، ولكن بعد أن سالت دماء غزيرة ولم يعد الندم كافياً لإعادة من ماتوا. فهل نستوعب الدرس ونحمي بلدنا من هؤلاء؟