نحن والانتخابات الأميركية!
على الدول العربية التي تتعامل مع الحاضر ووقائعه وحقائقه أن تتابع الوصلة الأخيرة من الانتخابات الأميركية متابعة دقيقة، فإذا فازت هيلاري كلنتون فإنها ستكون أول سيدة تصل إلى البيت الأبيض كرئيسة للولايات المتحدة الأميركية وإذا فاز باراك أوباما فإنه سيكون أول «ملِّونٍ» وأول من له خلفية إفريقية إسلامية يحتل هذا الموقع.
لا أسوأ من أن يردد بعض العرب في هذه الأيام، بينما تدخل المبارزة بين الجمهوريين والديموقراطيين في هذا اليوم «الثلاثاء» أخطر وأهم مـراحلها: «ما لنا وما للانتخابات الأميركية»؟! فهذا قصر نظر وهذه مناكفة فارغة، فالانتخابات الأميركية غدت بالنسبة لسكان هذا الكون كله حتى بما في ذلك الدول الكبرى، روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، قضية داخلية، فالعالم في زمن العولمة هذا أصبح ليس بحجم قرية صغيرة بل بحجم برتقالة، وغدا قرار الناخب الأميركي واختياره قراراً لكل سكان الكرة الأرضية، ولذلك فإن مَنْ يرى غير هذا الرأي إمَّا أنه لا يعرف الحقائق أو أنه مناكف لايزال يخيط بالمسلة القديمة ويعتقد أن الاتحاد السوفييتي لم يسقط وأن الحرب الباردة لاتزال مستمرة. إنه شرٌّ لا مفر منه، فالعالم كله بات يقف على رِجْل واحدة هي الرِّجل الأميركية والجالس في البيت الأبيض أصبح بإمكانه تحديد وجهة أي حوالة مالية حتى داخل البلد نفسه، والولايات المتحدة بعد احتلال العراق ومن خلال أساطيلها وقواعدها العسكرية في المنطقة غدت بمنزلة دولة مجاورة ومحاذية لكل الدول العربية من دون استثناء حتى بما في ذلك الدول التي لاتزال لم تعترف بالأمر الواقع ولاتزال تسوّق نفسها على أنها شوكة عوسجٍ في عين الإمبريالية والاستكبار العالمي. طبعاً تُهمُّ الانتخابات الأميركية كل دولة بل كل إنسان في هذا الكون وعلى الذين يرون غير هذا الرأي أن يتذكروا كيف أن صدام حسين تصرف بعقلية «القبضاي» الأهوج وأدار ظهره للحقائق، وكانت النتيجة كل هذا الدمار الذي لحق بالعراق وكيف أن العقيد معمر القذافي الذي رفع ذات يوم شعار: «طُظ في أميركا» اكتشف الحقائق قبل فوات الأوان فأنقذ نفسه وأنقذ بلده وهذا ليس عيباً ولا مثلبة بل إن هذا هو عين العقل والاعتدال. اليوم «الثلاثاء الكبير» سيحدد الديموقراطيون حصانهم لسباق نوفمبر المقبل وكذلك سيفعل الجمهوريون ولعل كل من تابع الوصلة الأولى من هذه المعركة الانتخابية قد لاحظ أن جون ماكاين قد حسَّن صورة الجمهوريين وأنه رغم تأييد الرئيس بوش في شن الحرب على العراق قد بدأ يكسب قطاعات واسعة من الناخبين الأميركيين، والسبب أنه محارب قديم أُسر خلال حرب فيتنام وأمضى في الأسر سنوات طويلة، وأنه إنسان جاد وجديٌّ وأنه ذو نزعة ليبرالية وهذه مواصفات ضرورية لكل من يقدم نفسه ليصبح رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. هذا على جانب الجمهوريين أما على جانب الديموقراطيين فإن فوز أحد المرشحين هيلاري كلنتون أو باراك أوباما سيكون حدثاً تاريخياً في هذه الدولة التي بقيت على مستوى البيت الأبيض ورئاسة الجمهورية دولة ذُكورية-بطريركية وبقيت دولة لا يمكن وصول أيٍّ كان إلى الموقع الأول فيها ما لم يكن بروتستانتياً من ذوي الدم الأزرق، والمعروف أن جون كيندي هو الكاثوليكي الوحيد الذي وصل إلى موقع الرئاسة لكنه اغتيل مبكراً ولم يكمل ولايته. إذا فازت هيلاري كلنتون فإنها ستكون أول سيدة تصل إلى البيت الأبيض كرئيسة للولايات المتحدة الأميركية وليس كامرأة للرئيس وإذا فاز باراك أوباما فإنه سيكون أول «ملِّونٍ» وأول من له خلفية إفريقية إسلامية يحتل الموقع الأول في دولة كانت بعض مقاهيها ومطاعمها ومحالها وإلى سنوات سابقة قريبة ترفع لافتات على أبوابها تقول: «ممنوع الدخول على الكلاب والسود». إنه على الدول العربية التي تتعامل مع الحاضر ووقائعه وحقائقه وليس مع الماضي وشعاراته وأدبياته ومعطياته أن تتابع الوصلة الأخيرة من الانتخابات الأميركية متابعة دقيقة، إذْ إن انتخاب هيلاري كلنتون سيكون بالنسبة لسياسات واشنطن الخارجية شيئاً بينما سيكون انتخاب أوباما أو ماكاين شيئاً آخر.* كاتب وسياسي أردني