Ad

لم يدرك الفرنسيون بعد أن حل مشكلة الرئاسة اللبنانية ليس في لبنان إنما في دمشق وطهران، وأنه لا حلَّ ما لم تعد الأمور إلى ما كانت عليه قبل صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الذي من المفترض أن يكون كوشنير قرأه جيداً قبل أن يباشر مهمته اللبنانية.

لو أن الباكستانيين تنبهوا إلى هذا الأمر لرفضوا زيارة برنار كوشنير إليهم «في مثل هذه الظروف العصيبة من تاريخ أمتهم الباكستانية»، فوزير الخارجية الفرنسي الذي غادر مواقعه اليسارية السابقة وجاء إلى مواقعه اليمينية الحالية وحمل معه «بهلوانية» اليسار واستعراضيته ذهب إلى لبنان ليحل مشكلة، وعاد وقد ترك وراءه ألف مشكلة.

حاول الفرنسيون بالاعتماد على «بهلوانية» كوشنير و«فهلوية» ساركوزي اختطاف سورية من تحالفها مع إيران، وتقديم التفريق بين الحليف السوري وحليفه الإيراني هدية للرئيس بوش الذي يسعى إلى تجميع المزيد من النقاط حتى إن كانت نقاطاً وهمية ليشعر نفسه ويشعر الآخرين عندما يغادر البيت الأبيض بأن إنجازاته كثيرة وكبيرة وأن هذا هو أحد الإنجازات.

فما الذي حصل؟ ولماذا حدث ما حدث؟! الذي حصل هو أن كوشنير ذهب إلى دمشق من دون أن يقرأ التاريخ جيداً، ومن دون أن يعرف أن معاوية بن أبي سفيان قال: «لو كانت بيني وبين الناس شعرة لما قطعتها... فإن هم شدوها أرخيتها وإن هم أرخوها شددتها»، ومن دون أن يعرف أيضاً أن اليهود أصبحوا أغنياء في كل الدول التي عاشوا فيها باستثناء سورية... فتجار الشام وحلب «أشطر» من هؤلاء وما ينطبق على التجارة ينطبق على «الإمارة» والسياسة.

حاول ساركوزي إخافة سورية والضغط على أطراف أصابعها فأطلق التصريحات التي أطلقها، بينما كان يمضي مع عشيقته الإيطالية الجميلة أعياد الميلاد وأعياد رأس السنة الجديدة في الربوع المصرية الدافئة، التي هدد فيها بأنه سيقطع الاتصالات المتعلقة بالأوضاع المتدهورة في لبنان مع السوريين طالما أنه يسمع أقوالاً ولا يرى أفعالاً وطالما أن دمشق لم تفعل ما هو مطلوب منها ليتم انتخاب الجنرال ميشال سليمان رئيساً جديداً للبنان.

وجاء الردُّ مدوياً على لسان وزير الخارجية السوري وليد المعلم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»... وأن سورية قررت تجميد كل اتصالاتها المتعلقة بالشأن اللبناني مع الفرنسيين، وهكذا فإن محصلة الوساطة الفرنسية قد انتهت إلى «تي تي.. تي تي.. مثل ما رُحتي جيتي». وهكذا فقد ثبت أن أحفاد «غورو» لا يعرفون شيئاً عن هذا الشرق وألاعيبه، وأنهم مازالوا يفكرون بعقلية «الأم الرؤوم» ومازالوا يظنون أن أكبر عُقَدِ لبنان، حتى إن كانت أصابع دمشق هي التي عقدتها، بالإمكان حلها بشرب فنجان «أكسبرسو» على مقهى «لوفوكيت» في شارع الشانزيلزيه!!

لم يصدق الفرنسيون أنهم بعد تطورات أكثر من ثلاثين عاماً غدوا لاعباً ثانوياً على هذا المسرح، وأن لدى «حزب الله» صواريخ حقيقية وليس متفجرات ألعاب نارية، وأن «من أراد أن يعرف ماذا في إيطاليا عليه أن يعرف ماذا في البرازيل»، حسب المرحوم حسني البورظان، وأن الحل ليس في لبنان إنما في دمشق وطهران، وأنه لا حلَّ ما لم تعد الأمور إلى ما كانت عليه قبل صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الذي من المفترض أن كوشنير قرأه جيداً قبل أن يباشر مهمته اللبنانية.

الآن انتهت الأمور إلى ما قاله حسن نصرالله بعد أن قال وليد المعلم ما قاله... فماذا قال زعيم «حزب الله» حسن نصرالله الذي عندما يتحدث فإنه يستند إلى أكثر من ثلاثين ألف صاروخ حقيقي وإلى جبهة مفتوحة مـن مقام الإمام الأوزاعي رضي الله عنه على شاطىء بيروت الغربي حتى مقام الإمام علي الرضا في مشهد؟! لقد قال «إنه لا انتخاب لرئيس جمهورية جديد ما لم تذعن «الأكثرية» لكل شروط المعارضة التي هي شروط طهران وشروط دمشق»!!

* كاتب وسياسي أردني