Ad

القانون الذي أتاح للمرأة مباشرة حقوقها السياسية هو قانون عصيّ على الإلغاء، ولو كان الإلغاء بنفس الأداة التي صدر بها. وأساس ذلك أن حق المرأة السياسي في المشاركة في شؤون الحكم، هو أصلاً وأساساً حق دستوري مستمد من الدستور نفسه، الذي نص على أن الأمة مصدر السلطات جميعاً.

يدور حوار الآن، حول المعوقات والصعوبات التي تواجه تطبيق القانون رقم 24 لسنة 1996 والمعروف بقانون منع الاختلاط، الذي يلزم جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب والتعليم في المدارس الخاصة بوضع أماكن خاصة للطالبات في المباني وقاعات الدرس والمختبرات والمكتبات والأنشطة والخدمات التربوية والإدارية وجميع المرافق، وهو الالتزام الذي فرضه كذلك على الجامعات الخاصة القانون رقم 24 لسنة 2000 بإنشاء الجامعات الخاصة، وهي معوقات وصعوبات جعلت تطبيق كلا القانونين مستحيلاً في بعض فروع التعليم والأنشطة التعليمية والخدمات التربوية والإدارية، وفي بعض المنشآت التعليمية.

وهي الصعوبات والمعوقات التي دفعت كتلة العمل الوطني إلى التلويح بتقديم اقتراح بقانون بإلغاء هذا الحكم، كما أعلن النائب المحترم علي الراشد أنه أعد بالفعل هذا الاقتراح وسوف يقدمه إلى مجلس الأمة.

ويبدو أن الحوار المذكور قد بدأ يأخذ مساراً جديداً، من ناحيتين، الناحية الأولى، أنه تحول إلى حوار بالسلاح عندما تلقى النائب علي الراشد تهديداً باغتياله بإطلاق الرصاص عليه، وهو تهديد لم ولن يثنيه عن عزمه كما أعلن، ومن ناحية ثانية، فقد اختار البعض من المتمسكين بمنع الاختلاط، عقاب الطرف الآخر من الحوار، بالتلويح بتقديم اقتراح بقانون موازٍ ومقابل بإلغاء حقوق المرأة السياسية.

ومن دون الدخول في حلبة هذا الحوار، فإن ما يعنينا منه، وما نقف عنده طويلاً، هو الاقتراح بقانون بإلغاء حقوق المرأة السياسية، إذا صح العزم على تقديمه، والذي تشوبه شبهة عدم الدستورية، لأن القانون الذي أتاح للمرأة مباشرة حقوقها السياسية هو قانون كاشف لحق دستوري غاب عن الممارسة سنوات طويلة، بخطأ من المشرع، فأعاده المشرع بتعديل المادة الأولى من قانون الانتخاب، ليعود الحق الدستوري بذلك إلى سرب الأحكام الخاصة بمبادئ الحرية والمساواة، التي نصت المادة 175 من الدستور على حظر اقتراح تنقيحها إلا لمزيد من ضمانات الحرية والمساواة، ومن ثم يكون القانون الذي أتاح للمرأة مباشرة حقوقها السياسية هو قانون عصيّ على الإلغاء، ولو كان الإلغاء بنفس الأداة التي صدر بها.

وأساس ذلك أن حق المرأة السياسي في المشاركة في شؤون الحكم، هو أصلاً وأساساً حق دستوري مستمد من الدستور نفسه، الذي نص على أن الأمة مصدر السلطات جميعاً، فإذا جاء قانون الانتخاب ليقصر حق الانتخاب على الذكور وحدهم، فقد وقف عائقاً أو حائلاً دون أن تعبر هذه الأمة عن إرادتها في إدارة شؤون الحكم بحرمان نصف الأمة من حقها في المشاركة في شؤون الحكم، وهو ما أوقع قانون الانتخاب في دائرة مخالفة الأساس الذي يقوم عليه النظام الدستوري الكويتي والأساس الذي يقوم عليه نظام الحكم فيما نصت عليه المادة السادسة من الدستور من أن «نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً»، وليست المخالفة اللصيقة به هي فقط مخالفة مبدأ المساواة التي كفلها الدستور.

وقد جاوز المشرع دوره في قانون الانتخاب بتنظيمه مسألة، نظمها الدستور نفسه في المادة السادسة، ولم يعهد إلى المشرع بتنظيمها، إذ يقتصر دور المشرع في قانون الانتخاب في هذا التنظيم، على تحديد سن الرشد السياسي التي يمارس المواطن بعد بلوغه إياها حق الانتخاب، ذكراً كان أم أنثى، وكذلك السن التي ببلوغها يستطيع المواطن أن يمارس حق الترشيح، أو تنظيم غير ذلك من مسائل لم يتناولها الدستور بالتنظيم، أما غير ذلك من مسائل نظمها الدستور، فلا يملك قانون الانتخاب المساس بها أو الانتقاص منها، وهو ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في مصر عندما قررت أن تنظيم المشرع للحق ينبغي ألا يعصف به أو ينال منه، وأن القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيماً لهذه الحقوق يتعين ألا تؤدي إلى مصادرتها أو الانتقاص منها «جلسة 15/4/89 – الطعن رقم 23 لسنة 8 قضائية دستورية».

ومن ثم فإن القانون الذي أتاح للمرأة مباشرة حقوقها السياسية، هو قانون يستعصي على الإلغاء التشريعي، ولنا أسوة في المبدأ الذي أرسته المحكمة الدستورية في قرارها الصادر بتاريخ 14/6/1986 في طلب التفسير رقم 3 لسنة 1986 عندما اعتبرت القانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية الذي أسند إليها ولاية تفسير النصوص الدستورية، قد أصبح بصدوره من السلطة التشريعية عصياً على أي تعديل أو تفسير تشريعي تصدره هذه السلطة يمس هذه الولاية لأن المحكمة تستمدها من الدستور مباشرة، وإن كنت أستميح عدالة المحكمة عذراً في أن أختلف معها فيما استدلت به على أن ولايتها في تفسير النصوص الدستورية هي ولاية تستمدها من نصوص الدستور مباشرة.