الأبجدية الارهابية تبدأ بـ: كَ فَ رَ
لا شك، أن المناهج التعليمية العربية، التي كانت متخلفة في الخمسينيات والستينيات، بسبب تركيزها الأساسي على المواد الدينية التحفيظية والتلقينية، وعدم اهتمامها بتدريس اللغات، كانت من أسباب وجود تربة صالحة، ومجار طافحة، صالحة لتربية بعوض الإرهاب.
ما الدور العربي في إصلاح التعليم العربي الذي هو أساس كل إصلاح، وهو الآن ملجأنا في أيام الشدة كما قال أرسطو؟ والإصلاح السياسي على وجه الخصوص لن يتم إلا بإصلاح التعليم أولاً. فالأحرار هم المتعلمون والعبيد هم الجهلة. ومن المدرسة تبدأ الحرية والديموقراطية، وليس من باب البرلمانات، ومجالس الأمة والشعب.الدور العربي يتركز في فهم أهمية التعليم وليس التلقين، كما سبق وقال وزير التربية السعودي محمد الرشيد من «أن أسلوب التلقين الببغائي لم نجن منه إلا الحنظل، فلا بُدَّ من هجره، وأن الحكمة ليست مقصورة علينا» (جريدة «الشرق الأوسط»، 3/2/2002). وفي فهم أن التعليم ليس شهادات وديبلومات ودرجات علمية فقط، ولكنه عملية تنموية مستمرة أثناء الدراسة وبعدها وحتى الممات. كما يتركز هذا الدور على الانفتاح التعليمي الحداثي الذي يتلخص في فتح أبواب التعليم أمام كل العلوم ومصادرها من دون استثناء، وعدم تدخل الأيديولوجيا الدينية والأيديولوجيا القومية في مناهج التعليم أو التأثير عليه، أو فرض أيديولوجيا الدولة مهما كانت، كما سبق واقترح جميل صليبا في العام 1967 في كتابه (مستقبل التربية في العالم العربي، ص263) وقبل الحادي عشر من سبتمبر 2001 بأربعة وثلاثين سنة. وهذا هو سرُّ تقدم التعليم في الدول المتقدمة بعد الحرب العالمية الثانية كاليابان مثالاً لا حصراً، حيث من المحظور إقامة أي صلة بين الأحزاب السياسية أو الدينية وبين مناهج التعليم.كما أن الدور العربي ينسحب على نشر التعليم التكنولوجي، أو ما يُسمّى بالتربية التكنولوجية. ولعل الطلب الكبير على الشباب الهنود دون الباكستانيين الغارقين في التعليم الديني السلفي للعمل في الخارج خصوصا في أميركا، حيث أصبح وطنهم الثاني وادي (السيلكون Silicon Valley) في ولاية كاليفورنيا، كان سببه الرئيسي اعتماد الهند للتربية التكنولوجية، وتدريسها بشكل واسع، حيث أنشأت الهند عشرين جامعة متخصصة في علوم الكومبيوتر فقط. وهو ما جعل الطلب كبيراً لتوظيف الشباب الهندي في الخارج في حين ظل الشباب الباكستاني الغارق في التعليم الديني السلفي متسكعاً متسولاً، ينتظر المهدي المنتظر، ورحمة ابن لادن وتنظيم «القاعدة» به!الدور الأميركي في الإصلاحأما الدور الأميركي -إذا كان هناك دور حقاً - فيتلخّص بشدة في أن تقوم أميركا بدعم الدول العربية التي تضع استراتيجية حديثة ومعاصرة لتطوير التعليم والتربية العربية من أجل تأهيل (مواطنين لا رعايا) بالمال والتقنيات والمرشدين والمعلمين والخبراء، وكل ما يلزم لعملية التطوير التربوي والتعليمي في هذه الدول. وربط المساعدات الخارجية الأميركية بكل أشكالها بمدى تحقيق وتطبيق هذه الاستراتيجيات التربوية والتعليمية.كما يتلخص هذا الدور الأميركي، في منح عدد كبير من المنح الدراسية العلمية والاقتصادية والإنسانية لأبناء الدول التي تتبنى الاستراتيجيات الحديثة في التعليم والتربية، وعدم الاقتصار على المنح الدراسية في شؤون الأمن والعسكرتاريا فقط، كما كانت تفعل أميركا في الماضي مع الدول العربية الصديقة والحليفة. فبهذه الوسائل لا بقوة السلاح، تستطيع أميركا أن تهيئ التربة الصالحة للزرع والنْبت الديموقراطي في العالم العربي. وهو وضع يختلف عما ساد في اليابان والمانيا وكوريا الجنوبية بعد الحرب العالمية الثانية. حيث لم تكن في كتب التعليم ووسائل التعليم في هذه البلدان نصوص مقتطفة من كتب كُتبت بسبب نزاعات سياسية ودينية جرت قبل أكثر من 1400 سنة، وتستخدم اليوم لنفس أغراض الخلاف السياسي والعقائدي، علماً أن العالم اليوم ليس عالم القرن السابع الميلادي، ولا الخلافات السياسية والعقائدية هي نفسها في ذلك الزمان. وهو ما فعلته وطبّقته مصر بحكمة في مناهجها التعليمية في 1979 بعد معاهدة كامب ديفيد، حيث أعلن جودة سليمان المستشار التعليمي المصري بأن المناهج التعليمية المصرية السابقة كانت تهدف «إلى غرس روح الكفاح والانتقام في نفوس الشباب المصري ضد إسرائيل، وذلك بالتركيز على أحداث معينة مثل ضرب مدرسة «بحر البقر» وغيرها. ولكنا ثأرنا لأنفسنا في حرب 1973 وانتهى الموضوع. لذلك طهّرنا المناهج والكتب». وهو ما قامت به أيضاً السلطة الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو 1993 حيث جرت تغييرات محدودة في المناهج التعليمية منها عدم كتابة اسم فلسطين فوق المساحة التي تشغلها إسرائيل منذ 1948، وإلغاء المواد التي تنص على إزالة إسرائيل من الميثاق الوطني الفلسطيني.فالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في العالم العربي أساسه الإصلاح التربوي والتعليمي. والإصلاح التربوي والتعليمي لن يتم إلا بالطرق التعليمية والتربوية الحديثة بكل ما يعنيه هذا المصطلح. لا بُدَّ من كسر حبة الجوزعندما تلقفت المدرسة العربية الكرة (الطالب العربي) لكي تقوم بدورين: الأول، تربوي كبديل للأسرة، والثاني، تعليمي، لم تكن قد بلغت مكانة تربوية وتعليمية كبيرة، لكي تلعب هذين الدورين المهمين والحيويين. فمازالت المدرسة العربية كما قال الكاتب الفرنسي بلزاك، تحاول أن تعلم وتلقن الطالب العربي ما هو داخل حبة اللوز دون أن تحاول كسر هذه اللوزة، لكي تُري الطالب اللبَّ بعينه من الداخل. وقد عبَّر الفيلسوف الألماني هيغل عن الحالة نفسها تعبيراً مماثلاً، وقال: «إن عملية تحليل حبة الجوز، تعني أولاً، وقبل كل شيء، كسر هذه الحبة»، وحبة الجوز هنا تعني التراث. وهو ما لا تفعله المدرسة العربية التي تقوم بتعليم الطالب على سبيل المثال ما في التراث تعليماً تلقينياً، دون محاولة تفكيك هذا التراث، وتأويله، وإخضاعه لأساليب التحلّيل الحديثة، ومقارنته بتراث الأمم الأخرى، لكي تُلقي عليه مزيداً من الضوء والفهم المعاصر، وتخرجه من السراديب الرطبة والمظلمة.الإرهاب والتعليم الديني الظلاميكانت مشكلة الإرهاب ومازالت في العالم العربي مشكلة عسيرة، تستدعي حلاً جذرياً. فقتل إرهابي أو ألف، وسجن إرهابي أو مليون، لن يحل مشكلة الإرهاب التي خير تمثيل لها، أن الإرهاب عبارة عن مجار صحية طافحة، وما الإرهابيون إلا بعوض الناموس، المُعشعش في هذه المجاري، إن قضيتَ على ألف بعلبة بخاخ، ظهرت في اليوم التالي آلاف أخرى، ما دامت هذه المجاري مفتوحة، وما دامت هذه المجاري طافحة، (يُعشعش) فيها بعوض الناموس. فلا بُدَّ من ردم هذه المجاري وإصلاحها أولاً، قبل مكافحة بعوض الناموس، الذي يتكاثر بصورة كبيرة، ما دامت هذه المجاري مفتوحة وطافحة. الأبجدية الإرهابية تبدأ بـ « كَ فَ رَ : كَفَرَ»لا شك، أن أنظمة التعليم المتخلفة في العالم العربي، وفي دول الخليج على وجه الخصوص، كانت من الأسباب الرئيسة لانطلاق الإرهاب، فهي التي ربّت الإرهابيين على تكفير الآخر، ومحاربة الآخر، وكراهية الآخر. ولا شك، أن المناهج التعليمية العربية، التي كانت متخلفة في الخمسينيات والستينيات، بسبب تركيزها الأساسي على المواد الدينية التحفيظية والتلقينية، وعدم تركيزها على العلوم الطبيعية، والرياضيات، والاقتصاد، والفلسفة، والمنطق، والفنون، وعلوم الأديان المقارنة، وعدم اهتمامها بتدريس اللغات، كانت من أسباب وجود تربة صالحة، ومجار طافحة، صالحة لتربية بعوض الإرهاب.* كاتب أردني