دكتور فضل ينشر مراجعاته ترشيد الجهاد في مصر والعالم الحلقة 15 الأخيرة أقول للأجانب لا تنتخبوا المتطرفين لقيادتكم حتى لا تستفزوا المسلمين كتابي لا يثبط عزيمة المجاهدين بل يرشدهم

نشر في 04-12-2007 | 00:00
آخر تحديث 04-12-2007 | 00:00
في الفصل الأخير من كتابه المهم يسعى الدكتور فضل إلى إعادة الثقة إلى شباب الجهاديين الذين اكتشفوا من الفصول السابقة خطأ الطريق الذي أضاعوا عمرهم فيه.

ويؤكد المؤلف بداية أن الخلافة الإسلامية عائدة مهما طال غيابها، معتبراً أن هذه العودة تدخل ضمن البشارات النبوية الثابتة بانتصار الإسلام.

ويرد الدكتور فضل على مخاوف يقول إن زملاءه في السجن أبدوها، تتعلق باحتمال أن تثبط هذه المراجعات عزيمة المجاهدين، فيؤكد أن ترشيد جهادهم وضبطه بالمعايير الشرعية هو نصرة لهم ورد عن الأخطاء إلى طريق الصواب.

ويطالب الدكتور فضل الأجانب بعدم انتخاب المتطرفين المعادين للإسلام حتى لا يتخذ البعض هنا ذلك ذريعة للمطالبة برد العدوان باعتداءات مماثلة لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية، مع تأكيده في الوقت نفسه أن الدفاع عن كيان الأمة بمواجهة المعتدين هو واجب شرعي لا جدال فيه.

وفيما يلي نص الحلقة الأخيرة من الوثيقة:

خامس عشر: البشارة بانتصار الإسلام وظهوره وبقائه وبقاء أهله إلى آخر الزمان

قال الله عز وجل «يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)» (التوبة:32، 33).

وقد كان من ذلك ما شاء الله سبحانه فأكمل للمسلمين دينهم «... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً» (المائـدة:3)، وأيد رسوله (صلى الله عليه وسلم) ونصره على المخالفين، وأظهر دينه وأقام للمسلمين دولتهم وأمَّنهم بعد خوف وأغناهم بعد فقر، ثم جرى على المسلمين بعد ذلك من النكبات ما لا يخفى على ناقد بصير لمّا كثرت فيهم الذنوب والمعاصي كما قال الحق سبحانه «إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا» (الإسراء:7)، وقال تعالى «وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ» (الشورى:30)، ولما أصيب المسلمون في غزوة أُحد قال الله تعالى لهم «قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ» (آل عمران:165)، بيد أن الهزيمة في «أُحد» لم تكن نهاية المطاف، وامتن الله عليهم بعد ذلك بالنصر والظهور، وكذلك ما عليه المسلمون اليوم من الضعف والتفرق والخذلان ليس هو نهاية المطاف، فالخير باقٍ في هذه الأمة والنصر قادم بإذن الله تعالى كما بشرنا بذلك رسولنا (صلى الله عليه وسلم).

التاريخ السياسي للإسلام

1) وقد أوجز النبي (صلى الله عليه وسلم) التاريخ السياسي لأمة الإسلام في حديث صحيح ذكر فيه تسلسل مراحله؛ من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض إلى الملك الجبري إلى خلافة على منهاج النبوة (هذا الحديث رواه أحمد في المسند بإسناد حسن)، وعصرنا الحاضر هو عصر الملك الجبري في معظم بلدان المسلمين، فلابد أن تعقبه خلافة على منهاج النبوة لا شك في قدومها طال الزمان أم قصر، وهذه الخلافة المرتقبة ليست هي خلافة خليفة الله المهدي رضي الله عنه، وإنما هي قبله، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «يظهر المهدي عند موت خليفة» (أورده ابن كثير رحمه الله في كتابه: النهاية، وقال: إسناده جيد قوي) وسوف تمتلئ الأرض عدلاً ورخاءً بعدما ملئت ظلمًا وجورًا، بشرنا بذلك كله الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) فقال «يكون خليفة من خلفائكم في آخر الزمان يحثو المال ولا يعده» رواه مسلم. و«الحثوة» هي الحفنة.

2) وفي السنة التقريرية:

إن الخلافة قد تنقطع من الدنيا في بعض الأزمنة، كما في الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه قال «فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟» الحديث متفق عليه، بيد أنه ومع انقطاع الخلافة أحيانا لا ينقطع الإيمان والمؤمنون من الدنيا أبدًا وإلى قرب قيام الساعة حين تهب الريح الطيبة التي تقبض أرواح جميع المؤمنين في الدنيا وذلك بعد التميز الكامل للناس إلى مؤمن وكافر بطلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة ولا يبقى على الأرض إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة، صح الحديث بذلك عند مسلم رحمه الله، فلا تقوم القيامة وعلى الأرض مؤمن، أما قبل ذلك فلابد من وجود الإيمان والمؤمنين في الدنيا.

أهل العلم

3) وكذلك أهل العلم بالدين باقون لا ينقطعون من الدنيا: كما ورد في الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله» قال البخاري: «وهم أهل العلم»، وهذه رواية من روايات حديث الطائفة المنصورة.

4) وكذلك حجة الله تعالى على خلقه باقية إلى آخر الزمان حتى لا يسقط التكليف الشرعي بذهاب الحجة، وتبقى حجة الله تعالى قائمة بحفظه سبحانه لكتابه كما قال جل شأنه «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)» (الحجر:9)، وببقاء العلماء في الدنيا كما في الحديث السابق «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله» واستنباطًا منه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه «لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة» وصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قوله «يحمل هذا العلم من كل خلف عُدُولُه، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» (رواه الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه: شرف أصحاب الحديث)، فالقرآن والعلم والعلماء باقون إلى آخر الزمان بفضل الله تعالى.

5) وكذلك الجهاد في سبيل الله تعالى، فالجهاد في سبيل الله تعالى ماض لا ينقطع من الدنيا بالكلية إلى آخر الزمان، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم» وقد أخرجه البخاري رحمه الله في كتاب الجهاد من صحيحه في باب «الجهاد ماض مع البر والفاجر»، وهذه العبارة من اعتقاد أهل السنة والجماعة، وفي رواية لحديث الطائفة المنصورة في سنن أبي داود رحمه الله بيّن النبي (صلى الله عليه وسلم) استمرار الجهاد في هذه الأمة حتى قتال الدجال بعد خروجه فقال (صلى الله عليه وسلم) «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال» وسوف يكون هذا بإذن الله بعد نزول المسيح عليه السلام من السماء وفي زمنه، وهو الذي سيقتل الدجال بيده الكريمة وهذا نهاية الجهاد في سبيل الله في الدنيا، وبعده سيخرج يأجوج ومأجوج وسيهلكهم الله بالأسباب السماوية من دون قتال كما سبق القول، وعند نزول المسيح عليه السلام من السماء ستكون الإمارة الإسلامية قائمة، وفي الصحيح أن المسلمين يقدمون المسيح عليه السلام ليصلي بهم إمامًا فيأبى ويقول لهم «بل بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله لهذه الأمة» رواه البخاري، فيصلي المسيح عليه السلام خلف إمام المسلمين حتى لا يتوهم أنه قد جاء مبتدئًا شرعًا جديدًا بل ينزل متبعاً لشريعة محمد، إذ لا نبي بعده (صلى الله عليه وسلم).

القرآن باقٍ

فالخير لن ينقطع من الدنيا، والقرآن باق ومحفوظ من التبديل، والعلم والعلماء باقون وحجة الله على خلقه لا تنقطع، والجهاد ماض، والخلافة قادمة بإذن الله، وأمة الإسلام باقية ولا ينقطع الإيمان وأهله من الدنيا، وكل هذا إلى آخر الزمان حين تهب الريح الطيبة، وفي زماننا هذا بالرغم من الضعف الذي أصاب المسلمين فلن نكون بإذن الله أقل ثقة بالله من عبد المطلب لما قال لأبرهة الحبشي «إن للبيت رباً وسيمنعه» فنحن أيضًا نقول «إن للإسلام ربًا وسينصره»، فالنصر قادم للإسلام والخلافة قادمة بإذن الله، والله سبحانه ينصر دينه بمن يشاء وقتما يشاء وأينما يشاء «ولا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة» حديث صحيح رواه أحمد وابن ماجة.

ولا ينبغي أن يدفع الاستعجال أو الرغبة في الانتقام من أعداء الله بالمسلمين إلى سلوك وسائل غير شرعية أو الوقوع في العدوان المنهي عنه أو تكليف أنفسهم أو غيرهم بما لا يطاق.

وما لم يدركه المسلم من أحداث آخر الزمان المذكورة في هذا البند لا يجب عليه منها شيء إلا الإيمان الخبري الاعتقادي بما صح منها، أما ما يجب على المسلم والذي سيحاسبه الله عليه وهو ما ينبغي أن يشغل نفسه به فهو معرفة واجب وقته، فيتعلم ما أوجبه الله عليه في وقته ويعمل بما يستطيعه منه في حدود قدرته وطاقته قال تعالى «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (التغابن:16)، وقال سبحانه «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (الملك:2).

اتقاء الله مع الأعداء

ومع نصيحتنا للمسلمين بعدم الوقوع في العدوان المنهي عنه، وأن يتقوا الله حتى مع أعدائهم، فإننا ننصح أيضًا الدول غير الإسلامية بعدم العدوان على المسلمين وعدم ترويعهم في بلادهم وعدم قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال وعدم تخريب بلاد المسلمين وممتلكاتهم، لأن بعض المسلمين يعتقد أن الرد بالمثل جائز في هذه الحال ويستدلون بقوله تعالى: «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» (البقرة:194)، وإن كان هذا لا يجوز على إطلاقه في شريعة الإسلام لأن تكملة الآية السابقة هي: «وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)» (البقرة:194)، والعدوان ليس من التقوى.. كما نقول لرعايا الدول غير الإسلامية... لا تنتخبوا المتطرفين لزعامة بلادكم لأنكم قد تدفعون ثمن ذلك إذا هاجم زعماؤكم المتطرفون بلاد المسلمين فإن بعض المسلمين يعتقدون أنكم مسؤولون عن أعمال زعمائكم لأنكم انتخبتموهم وتدفعون لهم الضرائب، فأقول لرعايا الدول غير الإسلامية لا تستفزوا المسلمين ولا تسيئوا إلى دين الإسلام ولا إلى نبي المسلمين محمد (صلى الله عليه وسلم) ولا تنتخبوا المتطرفين لقيادتكم، لأنه إذا كان لديكم مجانين فإن المسلمين لديهم مجانين أكثر، وإذا كانت لديكم أسلحة متطورة فإن الضعفاء والمسلمين لديهم أسلحة فتاكة ومنها حب الموت والعمليات الفدائية، فليحذر عقلاء كل قوم... ومع ذلك فإننا ننهى المسلمين عن أي تجاوز للشرع، وإن كان أعداؤهم يفعلون ذلك، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن المعاملة بالمثل والجزاء من جنس العمل ليس مطلقًا، وليست عقوبة من سرقك أن تسرقه، وضرب أمثلة أخرى، فالوقوف عند حدود الله واجب على كل حال، قال الله تعالى «وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (14)» (النساء:14).

ومن حق كل أمة أن تدافع عن كيانها ضد المعتدين، وإذا كان هذا حقًا طبيعيًا اتفق عليه الناس فإنه يرتقي عند المسلمين إلى مرتبة الواجب الشرعي، وقد قال الله تعالى «وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ» (الأنفال:60)، فإرهاب الأعداء واجب شرعي، وهو ما يعرف في المصطلح المعاصر بالردع العسكري، فإرهاب الأعداء من الدين بنص قوله تعالى: «تُرْهِبُونَ بِهِ» (الأنفال:60) ومن أنكره فقد كذب بالقرآن وخرج من ملة الإسلام كافرًا بدليل قوله تعالى: «وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47)» (العنكبوت:47)، ونحن لن نبدل ديننا لترضية الأعداء الذين لا يرضون إلا بإذلال المسلمين، ولكن الإرهاب الشرعي له ضوابط فلا يحل فيه الغدر ولا العدوان كما سبق بيانه.

الجهاد في فلسطين

وقد قال الله تعالى «وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251)» (البقرة:251)، فلولا الجهاد في فلسطين لزحف اليهود منذ زمن على الدول المجاورة، ولولا الجهاد في العراق لزحفت أميركا على سورية منذ زمن ولاستعبدت شعوب المنطقة، فلا يحل لمسلم أن يطعن في فرائض الشريعة كالجهاد وإرهاب الأعداء إذ بذلك يحفظ الله على المسلمين دينهم ودنياهم، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبة توليه الخلافة «ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا». وبهذا تكون قد انتهت بنود هذه الوثيقة (وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم)، وبقيت بعض التنبيهات من كاتبها.

التنبيه الثالث من الدكتور فضل

(في الرد على التخوف من أن هذه الوثيقة قد تثبط المجاهدين)

عند كتابتي لهذه الوثيقة لترشيد العمل الجهادي قابلت بعض المنتسبين إلى الحركة الجهادية بمصر في السجون واستطلعت آراء الموافقين والمتخوفين من تبني الفصائل الجهادية بمصر للتوجه السلمي نحو الحكومة المصرية، ولم أجد لدى المتخوفين حجة شرعية تمنع هذا التوجه إلا شبهة واحدة لهم وهي «سد الذريعة»، وقالوا إن المسائل التي ستشتمل عليها هذه الوثيقة قد تؤدي إلى تثبيط المجاهدين، فلا داعي لكتابتها سدًا لتلك الذريعة، والجواب عن هذه الشبهة من وجوه ثلاثة:

أولاً: لو افترضنا صحة قولهم وتخوفهم فإن القاعدة الفقهية تنص على أن «ما يحرم سدًا للذريعة يباح للمصلحة الراجحة» ذكرها ابن القيم في «إعلام الموقعين ج2»، ومثال ذلك: النظر إلى المرأة الأجنبية يحرم سدًا لذريعة الزنا «أي أنه محرم لغيره لا لذاته» ولكن يباح منه نظر الخاطب والشاهد والطبيب من جملة النظر الحرام نظرًا إلى المصلحة الراجحة في ذلك، ولا شك في أن ما تشمل عليه هذه الوثيقة من ترشيد مصلحته أرجح بإذن الله من التثبيط المتوهم.

ثانيًا: إنه قد تقرر في نصوص الشريعة أن منع المخطئ وزجره عن الخطأ هو نصرة له لا تثبيط كما يظنه هؤلاء. وذلك من قول النبي (صلى الله عليه وسلم) «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» فقالوا: كيف أنصره ظالمًا؟ قال (صلى الله عليه وسلم) «تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره» رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه، فإرشاد المخطئ إلى خطئه نصرة له لا تثبيط. ألم ترَ كيف أن خبيبا رضي الله عنه أبى أن يقتل صبيًا من أبناء المشركين كما ذكرته من قبل، والآن يوجد من يقتل المئات بمن فيهم النساء والأطفال والمسلم وغير المسلم بدعوى الجهاد!

ثالثًا: هل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مثبطًا للمجاهدين والجهاد عندما أنكر على أسامة وقال له «فكيف تصنع بلا إله إلا الله»، وعندما قال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد»؟ فما رد أصحاب هذه الشبهة على هذه الأحاديث الصحيحة؟

فائدة في الفرق بين المؤمن والكافر في البراءة:

لا يحـل لمسلم أن يتبرأ من مسلم وإنما يتبرأ من معصيته إن عصى، يدل على ذلك قول النبي (صلى الله عليه وسلم) «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» فلم يتبرأ من خالد نفسه وإنما من عمله عملاً بقول الله تعالى: «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (216)» (الشعراء:216،215)، أما الكافر فإن المسلم يتبرأ منه ومن عمله كما قال تعالى «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» (الممتحنة:4)، وكما قال تعالى -عن امرأة فرعون-: «وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ» (التحريم:11).

وهناك من قال لي لماذا لا يكون نصح المخطئين في السر لا بالكتابة المعلنة؟، وجوابه من وجهين:

أولاً: أنه إنما يُنصح في السر من أذنب في السر، أما المجاهر أو المفاخر بذنبه فيجب نصحه والإنكار عليه علناً كي لا يقلده غيره، كما ذكره النووي في ما يجوز من الغيبة في «رياض الصالحين» وقد نقله عما ذكره أبو حامد الغزالي في «إحياء علوم الدين»، هذا عند تعيين شخص المخطئ، أما مع عدم التعيين فلا يرد الخلاف في الإسرار والإعلان، وهل تكلم النبي (صلى الله عليه وسلم) في أخطاء أسامة بن زيد وخالد رضي الله عنهما سرًا أم أنكرها علانية رغم تعيينهما من أجل المصلحة العامة ليُحذر غيرهما؟. ولكن قومًا يخافون على وجاهتهم أكثر من حرصهم على نصح المسلمين.

ثانيًا: أنه لا سر في نقل العلم الشرعي إلى الناس حتى لا يندرس العلم ويُنسى، كما نقل البخاري في صحيحه عن عمر بن عبد العزيز رحمهم الله قوله «ولتُفشوا العلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًا» أ.هـ. وكيف يعلم بقية الناس بل الأجيال القادمة الصواب من الخطأ إذا كان كل النصح والإنكار في السر؟ وهل يُثمر هذا إلا تكرار الأخطاء في كل جيل؟.

والأحكام الشرعية لا تبني على الحماسة والأوهام وإنما على الأدلة الشرعية وإن جاءت على خلاف مراد النفس وهواها، فهذا هو مقتضى التكليف وحقيقة العبودية لله وحده لا شريك له.

وكما ذكرت في أول هذا التنبيه فقد قابلت المتخوفين والمترددين في تبني التوجه السلمي، وذكرت لهم الأدلة على ذلك بحسب ما أوردته في هذه الوثيقة، ولم أجد لديهم لا علمًا شرعيًا ولا حجة يعتمدون عليها، ومازلت أقول لهـم ولكل مخالف قول الله تعالى «قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (111)» (البقــرة:111)، وقول الله تعالى: «قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ (148)» (الأنعام:148). وقد تقرر في الشريعة أن كل من بلغه الحق بالدليل الشرعي فأعرض عنه بغير حجة شرعية فإنما هو متبع لهواه، وهو من الظالمين الضالين، كما قال الله عز وجل «فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)‏» (القصص:50)، وقال الله سبحانه «بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29)» (الروم:29).

خاتمة وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم

قال الله عز وجل «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)» (الصف:10-13).

ولما كان الجهاد فريضة ماضية في أمة المسلمين حتى آخر الزمان، وقد شابته مخالفات شرعية جسيمة في السنوات الأخيرة، فقد وجب التنبيه عليها والتحذير منها، وقد كان هذا هو الباعث على كتابة هذه الوثيقة التي أرجو أن ينفع الله بها الإسلام والمسلمين، إنه قريب مجيب.

وقد كتبت كل هذه الوثيقة من الذاكرة بحسب ما تيسر وذلك لعدم وجود مراجع شرعية وقت كتابتها نظرًا لظروف السجن، وبالتالي فإن ما في هذه الوثيقة من أحاديث نبوية أو نقول عن العلماء أكثرها بالمعنى لا باللفظ وذلك بما لا يخل بمضمونها إن شاء الله، نظراً إلى عدم توافر المراجع، وقد توخيت فيها الاختصار غايتي، فجاء كلامي في مواضع كثيرة على سبيل الإشارة فقط، كما لم أذكر كثيرًا مما أتذكره من أقوال علماء السلف خشية الإطالة واعتمدت أساسًا على ما يُحتج به وهو الكتاب والسنة، أما أقوال أهل العلم فلا حجة فيها وإنما هي للاستئناس وللتفهيم.

وما لم أتذكر تخريجه من الأحاديث في هذه الوثيقة هو في معظمه من الحديث المقبول، وأحيانًا أذكر جزءًا من الحديث وهو موضع الاستدلال منه من أجل الاختصار عملاً بمذهب من أجاز ذلك كالإمام البخاري رحمه الله.

هذا والله تعالى أعلى وأعلم، وعلمه تعالى أتم وأحكم، وبالله تعالى التوفيق.

«رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)»، «وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)» (البقرة:128،127) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

* كتبها: الدكتور فضل

وهو: السيد إمام بن عبد العزيز الشريف

المعروف بعبد القادر بن عبد العزيز

في يوم الخميس 18من صفر 1428هـ الموافق 8 مارس2007م

* الموقعون على هذه الوثيقة

نوافق على بنود هذه الوثيقة ونعلن التزامنا بها، وندعو جميع المهتمين بالجهاد وعموم المسلمين في مصر والعالم إلى الالتزام بما ورد فيها من ضوابط شرعية لترشيد الجهاد.

وقد قام بالتوقيع بالموافقة على ما ورد في هذه الوثيقة المئات من الأفراد المنتسبين إلى الفصائل الجهادية المختلفة بمصر، وأسماؤهم وتوقيعاتهم مودعة لدى الجهات المختصة بمصر.

back to top