B.O.T ... النسخة الكويتية المشوهة
الملاحظ أن الحكومة على مستوى السياسات العامة عموماً، والاقتصادية والإدارية خصوصاً، تغرم بالمسميات أو الشكليات وتنسى المضمون أو الجوهر. وكلّما ظهر في الأدب الاقتصادي أو الإدارى مصطلحات لسياسات جديدة مطبقة بشكل صحيح في دول أخرى، قد تختلف ظروفها السياسية والاقتصادية والإدارية عن ظروف الكويت، أخذت تردد هذه المصطلحات، وتعلن أنها ستطبق هذه السياسات بشكل يوحي وكأنها الضالة، التي ستحل جميع المشكلات التنموية.«البناء والتشغيل والتحويل»، أو ما يُسمى باللغة الإنكليزية اختصاراً B.O.T، يعني أن يقوم القطاع الخاص بعملية بناء مشاريع عامة ضخمة تتعلق عادة بالبنى التحتية (طرق سريعة، ومحطات توليد كهرباء، وسكك حديدية، ومستشفيات، وجامعات، ومدارس، ومدن ترفيهية كاملة ... إلخ ) تعجز عادة الحكومة أو القطاع العام عن القيام بها لأسباب مالية في الغالب، ثم يقوم القطاع الخاص باستثمارها مدة زمنية متفق عليها، وذلك ضمن شروط محددة بدقة تحفظ حقوق الدولة القانونية والمالية، وبعد انقضاء هذه الفترة الزمنية المتفق عليها ينسحب القطاع الخاص ويحوّل المشروع كله للحكومة.
فكرة جميلة، أليس كذلك ؟ الحكومة لا تستطيع بمفردها أن تنجز بعض المشاريع الحيوية الكبرى، فتستعين بالقطاع الخاص لإنجازها وفق شروطها. إذن هنالك أولاً؛ مشاريع تنموية ضخمة، وثانياً، عدم قدرة الحكومة على تنفيذها بمفردها، وثالثاً، قطاع خاص قادر ومؤهل لإنجاز هذه المشاريع الكبرى، ورابعاً، المحافظة على حقوق الدولة القانونية والمالية. وقد كان هنالك تجارب ناجحة لهذه السياسة الاقتصادية في دول العالم المتقدم ودول جنوب شرق آسيا، أو ما يُسمى «النمور السبعة».ولكن السؤال هو: هل ما يتم تطبيقه فعلياً في الكويت يعتبر B.O.T ؟ أم انه نسخة مشوهة تكتفي فقط بالاسم دون المضمون؟ إننا إذا أخذنا في الاعتبار المعنى الحقيقي والشروط اللازمة لهذه السياسة الاقتصادية والتطبيقات العالمية لها، فسيكون جوابنا للأسف، هو أن ما يطبق في الكويت لا يمت بصلة لما يعرف عالمياً بـ B.O.T، وإنما نسخة مشوهة له، وهذا كثيراً قد لا يكون مستغرباً. فالملاحظ أن الحكومة على مستوى السياسات العامة عموماً، والاقتصادية والإدارية خصوصاً، تغرم بالمسميات أو الشكليات وتنسى المضمون أو الجوهر. وكلّما ظهر في الأدب الاقتصادي أو الإدارى مصطلحات لسياسات جديدة مطبقة بشكل صحيح في دول أخرى قد تختلف ظروفها السياسية والاقتصادية والإدارية عن ظروف الكويت، أخذت تردد هذه المصطلحات وتعلن أنها ستطبق هذه السياسات بشكل يوحي وكأنها الضالة التي ستحل جميع المشكلات التنموية، ويا ليتها تطبقها بالشكل الصحيح. فقد تحدثنا كثيراً عن إعادة هيكلة الجهاز الحكومي والقوى العاملة للدولة منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولم ننجز شيئاً ذي قيمة سوى لجان تفرخ لجاناً، وأطلنا النقاش حول الخصخصة منذ تسعينيات القرن الماضي ونسينا أن لها شروطاً لكي تنجح، فانتهينا بمحطات وقود لا تتميز بشيء عمّا كانت عليه، عندما كانت تُدار من قبل القطاع العام. ومنذ بداية الألفية الجديدة، ونحن نتحدث عن الـB.O.T وضرورة تطبيقه في الكويت، ونسينا الشروط اللازمة لكي نطلق على مشروع ما أنه يُدار بنظام الـB.O.T، فانتهى بنا المطاف إلى أن الدولة توزع أراضي فضاء بمساحات كبيرة على مجموعة مستثمرين صغار، يقومون بتسويرها وإعادة بيعها للمواطنين بأسعار خيالية وتسمي ذلك B.O.T، وهو منها براء. فهي ليست مشاريع بنى تحتية، وبإمكان ليس فقط الحكومة، بل حتى أى شخص عادي أن ينفذها، وزيادة على ذلك فإن فيها شبهات تنفيع على حساب المال العام، وبذلك (كشتنا) بالنظرية وشوهنا التطبيق. أفلا يحق لنا بعد ذلك أن نطالب بالحصول على امتياز النسخة المشوهة لـB.O.T ؟؟!!