Ad

انصاع الجميع للأوامر والتعليمات من رجال الأمن والنظام والاستقبال دون أي مقاومة أو مساءلة، رغم أن أولئك العاملين في السفارة الأميركية من الجنسيات المستضعفة، في الغالب، من قبل المجتمع. تساءلت قليلاً وأنا أتأمل هذا المشهد عن سر هذا النظام والذوق العام، ولماذا لا نرى هذا «الانصياع» في طوابير المعاملات الحكومية والأسواق والشوارع؟!

تطلب عملي أخيراً الكثير من السفر، وبالتالي طلبات متعددة لتأشيرات السفر، إحداها لدخول الولايات المتحدة الأميركية. وعبر الهاتف تم إعطائي موعداً محدداً لمقابلة شخصية. وعندما ذهبت في موعدي اكتشفت أنه مجرد موعد عام لتجميع المتقدمين في الخارج وإدخالهم كمجموعة عبر إجراءات الأمن، ليأخذ كل منهم رقماً للمقابلة. الجميل أن المتقدمين من الكويتيين يمثلون عينة شاملة لطبقات وأطياف المجتمع كافة. والكل باختلاف مستوياتهم التعليمية والثقافية التزموا بالصف والدور وأخذوا مكانهم في الطابور دون تزاحم أو تشاجر أو «تحلطم». وانصاع الجميع للأوامر والتعليمات من رجال الأمن والنظام والاستقبال دون أي مقاومة أو مساءلة، رغم أن العاملين في السفارة من الجنسيات المستضعفة، في الغالب، من قبل المجتمع. تساءلت قليلاً وأنا أتأمل هذا المشهد عن سر هذا النظام والذوق العام، ولماذا لا نرى هذا «الانصياع» في طوابير المعاملات الحكومية وفي الأسواق والشوارع؟!

عاد هذا المشهد بقوة في مطار إحدى الدول العربية، حيث تدافع الكويتيون دون دور أو احترام على شبابيك الجوازات، رغم الخطوط الحمراء وصراخ رجال الأمن وامتعاض مسؤولي الجوازات والمسافرين الآخرين. وبعد لحظات قررت أن أضع حدوداً للفوضى، فوقفت عند الخط الأحمر... وجررت كل من يقف أمامه للطابور، أو لاختيار شباك آخر، وأعطيت الجميع محاضرة في الذوق العام واحترام الدور.

واستمتعت مع زملائي المسافرين بدقائق معدودة من الهدوء والراحة إلى أن أتت تلك المبرقعة، التي تضع ما يقارب نصف كيلو من ظلال العين الزرقاء والفسفورية ونصف زجاجة عطر رخيص، وتحمل من ستة إلى ثمانية جوازات كويتية، وتجاوزت كل من يقف في الطابور مباشرة إلى شباك الجوازات، فقال لها المسؤول إن عليها احترام الدور فهنالك من ينتظر دوره منذ أكثر من ربع ساعة. فأجابته، انها لا تستطيع الانتظار لحرارة الجو! وهنا وجدت نفسي مرة أخرى مضطرة للتدخل فطلبت منها بكل أدب أن تلتحق بآخر الطابور احتراماً لنا وللنظام. فأجابت «أنا كويتية! أنا لا أنتظر!!». استجمعت ما أملك من قوة للسيطرة على أعصابي ونصحتها مرة أخرى بالالتزام بالنظام احتراماً للآخرين ولجنسيتها. «عيب أن نكون نحن الكويتيين من يكسر النظام، فلأننا كويتيون يجب أن نكون مثالاً للذوق والاحترام»، كانت تلك محاولتي البائسة للوصول لما تبقى من حس لديها. فجاءتني الإجابة الأفضل: «أنا امرأة محترمة... هل تتوقعين مني الوقوف في صف مع رجال غرباء؟!!» وهنا طلبتها باحترام أن تعود لمطار الكويت وأن تقف في الطابور المخصص هناك «للحريم» المحترمات، فحملت نفسها وجوازات قبيلتها إلى شباك آخر.

من أين يأتي هذا الشعور بالاستحقاق؟ ومن أعطانا هذا التميز عن بقية العالم حتى في ديارهم؟ وكيف نبرر لأنفسنا هذا الاستعلاء والكبر في ظل كل ما يحدث في بلدنا على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة؟ إن كان هذا الشعور نتاج سنوات من التربية غير المتوازنة فكيف يختفي في السفارات والمطارات الأميركية والأوروبية؟ هل يفوق الخوف الكبر؟!