مسلسلات رمضان...إلى الحضيض سر
هل انتهت مشاكلنا كلها حتى نتناول موضوع عبدة الشيطان وغيره من الأمور التي لا تستحق أن تسمى «ظواهر»، ولماذا لا نشاهد مسلسلاً يتناول ظاهرة تجار الإقامات وآثار ممارساتهم على المجتمع؟ أو الفساد في الرياضة... وكيف يتم التلاعب بانتخابات الأندية وتجييرها لمصلحة مجموعة معينة؟
لم تكن الكتابة عن هذه المسلسلات كرد فعل لما أثير أخيراً حول مسلسلات رمضان، بل إني أضمرت النية للكتابة عن هذا الموضوع منذ مدة قبل أن تُثار المشاكل حول مسلسلي «للخطايا ثمن» و«الوزيرة»، وذلك بسبب انحراف هذه الأعمال عن الطريق الصحيح، فضلا عن ترديها منذ سنوات عدة إلى الحضيض، وليس الآن فحسب. فشهر رمضان يُفترض أن يكون شهراً للعبادة والاستغفار لا شهراً لمتابعة التلفاز.في البداية تجد أن القاسم المشترك بين كثير من الأعمال في السنوات السابقة هو أن التصوير يتم في قصور وبيوت فخمة، وكأن غالبية الكويتيين لا يعيشون في بيوت الدخل المحدود والمتوسط. وتجد في كل مسلسل رجال أعمال وشركات. وإذا أتينا إلى التمثيل فهو خشبي و«بايخ حده» والمعالجات سخيفة وساذجة. أما الممثلات فحدث ولا حرج، فكلهن يلبسن في البيوت ما لا يُلبس في الأعراس، إضافة إلى المكياج الصارخ الذي تستطيع من خلاله أن تشاهد وجه الممثلة وهو يستنجد بك لإنقاذه من تلك الأصباغ، إضافة إلى «اللي لابسه كعب أطول منها»، و«اللي لاعبه بخلقتها» عن طريق عمليات (التقبيح) وليس التجميل، و«اللي تافخه براطمها» كأنهم مطبات الرميثية، وبالطبع لا يخلو أي مسلسل من متعاطي مخدرات وسكران، فالكويت كلها مبتلية بهذه الظواهر التي يجب تناولها في كل مسلسل كل سنة؟! هذا غير برامج الفوازير والمسابقات التي لا تملك إلا أن تقول عند مشاهدتها (بسنا ملاقة يا حسين .. بسنا)، و«تتحسف قد شعر راسك» إنك ضيعت دقائق معدودة لمشاهدة هذا الإسفاف والتصنع. كل هذه الظواهر في المسلسلات التي قال عنها الفنان داوود حسين إنها وصلت إلى حد من «الوقاحة» جعلنا نترحم على الأيام الجميلة... أيام «خالتي قماشة» و«الأقدار» و«درب الزلق» وغيرها من المسلسلات التي كانت خالية من المبالغة والمكياج الصارخ وفساتين السهرة والقصور الفارهة.والأدهى والأمر، أن يأتي اليوم من يدعي أنه يريد معالجة بعض المواضيع الشرعية بكل سذاجة وبساطة من دون أن يرتقي الى الكفاءة المطلوبة لذلك، ومن دون أن يضع في حسبانه الوضع الإقليمي الذي نمر به حاليا، ومحاولات بث الفتنة الطائفية في المنطقة، خاصة مع وجود كثير من الجهلة في مجتمعاتنا الذين سيلصقون أي تصرف سيئ - يتحدث عنه المسلسل - بمذهب بكامله مما سيخلق المزيد من الحواجز والتوجس والشك المتبادل. والسؤال هنا هو: من يحق له طرح الأمور العامة ومعالجتها؟ فالمضحك هنا، (وشر البلية ما يضحك)، أن بعض هؤلاء الذين يدعون محاولة معالجة هذه الأمور هم أنفسهم الذين تنقل أخبارهم على الصفحات الأخيرة من الصحف تحت عناوين (الممثلة الفلانية وجدت في حال سكر شديد) و(الممثل العلاني ضبط في أوضاع مخلة بالآداب)! فكما أن حرية التعبير مكفولة، فإن الإعلام يجب أن يكون مسؤولاً أيضاً حتى لا يقع في المحظور الأخلاقي، أدرك أن هذه الإشكالية معقدة ولا نستطيع حلها من خلال عدة كلمات في مقال محدود، لكن هل انتهت مشاكلنا كلها حتى نتناول موضوع عَبدة الشيطان وغيره من الأمور التي لا تستحق أن تسمى «ظواهر»، ولماذا لا نشاهد مسلسلاً يتناول ظاهرة تجار الإقامات وآثار ممارساتهم على المجتمع؟ أو الفساد في الرياضة وكيف يتم التلاعب بانتخابات الأندية وتجييرها لمصلحة مجموعة معينة؟ أو الفساد في الوزارات وكيف تتم عمليات النهب والسرقة عن طريق المناقصات؟ أو نشاهد مسلسلاً عن حياة الأسر البسيطة ومشاكلها؟ أم إن أغلب الوسط الفني بات لا يكتب إلا عن البيئة التي يعيش هو فيها؟!