Ad

يأمل الرئيس بوتين في أن يتسبب في إحداث تصدعات بين الحكومات الأوروبية والولايات المتحدة، أو بين أوروبا الغربية و الأعضاء السابقين في الكتلة السوفييتية.

خلال الأيام القليلة الماضية، وصل خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المناهض للغرب، والذي تصاعدت حدته منذ أشهر عدة، إلى مستويات حادة، تذكرنا بالحقبة السوفييتية. لقد اتهم الولايات المتحدة بـ «الإمبريالية» وهدد باستهداف أوروبا بأسلحة روسية جديدة. وفي مقابلة مع صحافيين غربيين تهكم بسخرية على الديموقراطية الغربية، وقال بأن «التعذيب والتشرد وغوانتانامو» بالنسبة للولايات المتحدة، و«المعاملة القاسية للمتظاهرين» بالنسبة لأوروبا جعلت من الغرب «الديموقراطي الطاهر والكامل» الوحيد في العالم.

ربما كان من السهل على القادة الغربيين الرد على هذه التعليقات اللاذعة خلال قمة الديموقراطيات الصناعية، لو كانت الحرب الباردة لا تزال مستمرة، ولكنه عصر مختلف، والسيد بوتين بنفسه سيحضر إلى القمة كعضو في نادٍ –مجموعة الثماني- يبدو واضحا أنه لا ينتمي إليه. وسيشكل حضوره مناسبة لتذكير الأعضاء السبعة الآخرين بمدى الأخطاء التي حدثت في موسكو، منذ قرروا في عام 1998 عرض العضوية على روسيا، أملا في أن تتطور إلى ديموقراطية ليبرالية. وسيتيح لهم الفرصة أيضا لكي يوضحوا للسيد بوتين بأن حربه لن تعيد بلاده إلى وضع القوة العظمى.

من الصعب معرفة الهدف الحقيقي لكلام السيد بوتين. فخلال الأيام الأخيرة أصبحت نبرة «الكرملين» دعائية وصاخبة جدا، إلى درجة أن بعض المراقبين يعتقد أنها مدفوعة بأكملها بحسابات سياسية داخلية. ومن المقرر أن تنتهي فترة ولاية السيد بوتين كرئيس خلال تسعة أشهر، برغم أنه رتّب النظام السياسي بحيث «ينُتخب» من يختاره هو بنفسه، ويبدو أن مغادرته الوشيكة قد حركت صراعات القوى في الزمرة الفاسدة حوله، وأيضا موجات من جنون الارتياب تجاه المنافسين المحليين والخارجيين.

ومن ناحية أخرى، ربما يأمل الرئيس بوتين في أن يتسبب في إحداث تصدعات بين الحكومات الأوروبية والولايات المتحدة، أو بين أوروبا الغربية و الأعضاء السابقين في الكتلة السوفييتية التي انضمت إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. ويفسر ذلك إصراره بأن خطة إدارة بوش لوضع نظام دفاعي صاروخي صغير في بولندا وجمهورية التشيك، يشكل تهديداً خطيراً على روسيا، ودليلاً واضحاً على الاستخفاف بها. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا المسعى سيعطي نتائج مغايرة، كما ذكر السيد بوتين في مقابلته الأخيرة. وقد أوحى بغرابة بأن المبادرة الأميركية أُطلقت تحديداً من أجل إثارة رد فعل روسيا ومن ثم توحيد الغرب ضد موسكو.

والمعضلة بالنسبة للغرب هي أن السيد بوتين مستمر في التعاون بشأن قضايا حيوية عدة، بما فيها الجهود لإيقاف برنامج إيران النووي. ولهذا لا يزال الرئيس بوش مُصراً على مناداة الرئيس الروسي بـ«فلاديمير»، وقد دعاه إلى مجمع عائلة بوش في كينيبانكبورت الشهر المقبل. ويبدو التعاطي البراغماتي منطقياً طالما لا يزال مثمرا في نتائجه. وهناك امتحانان حاسمان سيحددان وضع روسيا، الأول يتعلق بقرار عقوبات جديدة تفرضها الأمم المتحدة ضد إيران، والثاني يتعلق بتصويت مجلس الأمن على استقلال كوسوفا.

ولكن الغرب لا يتحمل الرد على غضب السيد بوتين بالاسترضاء. ويجب أن تتقرر مبادرة الدفاع الصاروخي من عدمها، بناء على مزاياها الموضوعية (كانت بعض الأسئلة المشروعة أُثيرت من قبل أعضاء في الناتو والكونغرس)؛ كما يتعين أن يسارع الناتو والاتحاد الأوروبي من امتدادهما، نحو الجيران الذين يعانون الاستئساد الروسي، لا أن يتوقف. وينبغي أيضا أن يزداد دعمنا لجماعات حقوق الإنسان، ولتعزيز مجتمع مدني مستقل في روسيا، لا أن يقل، حسبما ورد في مقترح ميزانية الإدارة للسنة المقبلة. ويجب أن يعي السيد بوتين الرسالة واضحة بأن القمع في الداخل والدبلوماسية على النمط السوفييتي في الخارج ستجعل بلاده أقل تأثيرا في عالم القرن الحادي والعشرين.

 

افتتاحية الواشنطن بوست