لماذا حزنت لتحرير جونستون؟!

في أفغانستان يُقتل المدنيون الأبرياء بشكل مستمر بسبب قصف القوات الأجنبية، وأقصى ما يمكن أن يصدر من هذه القوات هي كلمة (نأسف)! هكذا و بكل بساطة، وكأن الذين قتلوا هم حشرات وليسوا بشراً لهم حق الحياة وسيعاني أهلهم من بعد فقدانهم!

 

كان يوم الأربعاء حين فتحت التلفاز عصراً ففوجئت بمشاهدة مراسل الـ «بي بي سي» في قطاع غزة آلان جونستون يتحدث في مؤتمر صحفي بعد تحريره من خاطفيه، ففرحت كثيراً لرؤية هذا المشهد لمراسل عانى ما عاناه خلال احتجازه لخمسة شهور تقريباً، فليس من الأخلاق أخذ المراسلين كرهائن حتى ولو كانت تقاريرهم غير منصفة على الإطلاق، فما بالك بمراسل أحب غزة وأهلها وسكن فيها لمدة ثلاث سنوات وكانت تقاريره منصفة وتعكس الواقع المر الذي يعيشه أهل هذا القطاع.

ولكن عندما جلست لأتأمل في هذا المشهد بدر بذهني سؤال وهو: لماذا كل هذا الاهتمام الإعلامي والدولي والشعبي لشخص واحد فيما يعاني الملايين في هذا العالم دون أدنى اهتمام بهم؟ صحيح أنه مراسل مختطف، لكنه يظل بالنهاية إنسانا كبقية البشر، ففي الوقت الذي قامت الدنيا ولم تقعد لاختطاف هذا المراسل ووصل الاهتمام بقضيته إلى مستوى الرؤساء

والحكومات، يقبع أكثر من 11 ألف أسير فلسطيني في المعتقلات الإسرائيلية، منهم وزراء ونواب منتخبون من الشعب وعلى رأسهم رئيس المجلس التشريعي، ومنهم 316 امرأة و128 طفلاً، ومنهم 1000 أسير يحتاجون الى عناية طبية عاجلة غير متوافرة في أغلب الأحيان، إضافة إلى أن قرابة الـ %70 من المعتقلين لم توجه لهم تهمة محددة إلى الآن.

كم هو مسكين هذا الشعب الفلسطيني، ففي الوقت الذي تعاطف واهتم أغلب أطيافه مع قضية جونستون، لم يجد في المقابل حتى نصف هذا الاهتمام من الشعوب الغربية لهذا الكم الهائل من أسراه في السجون الإسرائيلية وما يترتب عليه من معاناة آلاف الأسر من آباء وأمهات وزوجات وأبناء نتيجة لهذا الظلم الفادح.

صدق الشاعر حين قال «قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر ... وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر»، ففي العراق مثلا يقتل العشرات يوميا منذ 4 سنوات، وإلى الآن لم تتم محاسبة هؤلاء الذين تسببوا في كل هذه الفوضى والمآسي التي يعاني منها هذا الشعب المسكين، والمصيبة العظمى أننا اعتدنا على هذا المشهد بحيث إذا تم قتل 5 في أحد الأيام نقول «الحمد لله بس 5 .. وليس 20 أو أكثر»، وفي أفغانستان يُقتل المدنيون الأبرياء بشكل مستمر بسبب قصف القوات الأجنبية، وأقصى ما يمكن أن يصدر من هذه القوات هي كلمة (نأسف)! هكذا و بكل بساطة، وكأن الذين قتلوا هم حشرات وليسوا بشراً لهم حق الحياة وسيعاني أهلهم من بعد فقدانهم!

بصراحة، لا أستغرب هذا الوضع، فالدم الغربي غال لوجود محاسبة في تلك الدول، أما عندنا فماذا نتوقع من أنظمة بالية وذليلة وخاضعة للأجنبي؟ فماذا نتوقع مثلاً من رئيس يرفض الحوار مع أبناء جلدته بحجة أنهم (انقلابيون) بينما يجلس وبكل راحة مع من احتل أرضه بكاملها تقريباً ويقتل الرجال والنساء والأطفال يومياً، ويحتجز آلاف الأسرى في سجونه ويفصل القرى عن بعضها بجداره العنصري، ويهدم البيوت يومياً على رؤوس أصحابها ويقتلع الشجر والزيتون من حدائقها، ويتعامل معه بعلو وتكبر واستهزاء؟! هكذا صار الدم العربي رخيصاً، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.