يجب أن يقلص النواب دورهم في تمرير المعاملات، وهنا أتحدث عن النواب الحقيقيين الذين يؤدون دورهم البرلماني، إضافة إلى خدمة الناس لا مخلصي المعاملات المسميين مجازاً «نواباً» الذين يقضون معظم أيامهم في ردهات الوزارات لا في المجلس.لم يؤد القرار التخريبي بتقسيم الكويت إلى 25 دائرة إلى إفساد نتائج الانتخابات فحسب، بل أدى إلى إفساد ذهن الناخب وأسس اختياره للمرشح، فقد عزز هذا التقسيم المعايير الطائفية والقبلية عند الاختيار وصار التقييم على أسس تافهة مثل؛ (كم مرة زارنا بالديوانية)، و(مشّالي معاملتي)، و(زارني في المستشفى لما كنت مريضا). وساوم بعضهم المرشح بالصوت مقابل معاملة (استجمام) في الخارج أو تعيين سكرتير في حال النجاح، وما إلى ذلك من الظواهر المريضة التي ابتلينا بها على مدار ربع قرن من الزمن.
لكن مع التقسيم الجديد للدوائر واتساع القاعدة الانتخابية إلى عشرات الآلاف في كل دائرة، فإن نمط تفكير الناخب وأسس اختياره يجب تغييرهما، ومثلما يتحمل الناخب جزءاً من تلك المسؤولية يجب أن يتحمل النواب أيضا جزءاً آخر منها، لأنهم يستطيعون ترويض الناخبين على الوضع الجديد، وهو الأمر الذي لا يبدو أنه يلقى اهتماماً كافياً لديهم بالرغم من بعض الخطوات الفردية هنا وهناك، فهناك ظواهر عدة يجب علاجها استعداداً للانتخابات المقبلة منها!
أولاً: يجب أن يقلص النواب دورهم في تمرير المعاملات، وهنا أتحدث عن النواب الحقيقيين الذين يؤدون دورهم البرلماني، إضافة إلى خدمة الناس لا مخلصي المعاملات المسميين مجازاً «نواباً» الذين يقضون معظم أيامهم في ردهات الوزارات لا في المجلس، فمن الملاحظ أن أغلبية المعاملات هي معاملات دلع وغير قانونية، بل إني سأتجاوز ذلك لأقول إنه يجب على النواب عدم القيام حتى بالمعاملات السهلة مثل رخصة القيادة لكي لا يستمر اتكال الناخب على النائب في كل صغيرة وكبيرة.
أدرك أن من واجب النواب خدمة جمهورهم، لكن هذه الخدمة يجب أن تقتصر على رفع حالات الظلم والتدخل في الأمور المستعصية لا الانشغال عن عملهم الحقيقي بكم هائل من المعاملات التي تستنزف وقتاً وجهداً كبيرين من النائب وسكرتاريته.
ثانياً: لا يجب على النواب أن يمضوا أيام رمضان لزيارة عشرات الدواوين، ويجب على رواد الدواوين أن يعوا بأنهم سيكونون محظوظين إن زارهم النائب مرة في السنة مع وجود آلاف الدواوين في الدائرة الواحدة فقط! كما يجب على الناس الاعتماد على أنفسهم في متابعة النائب والحكم عليه، وإذا كان لديهم استفسار فيستطيعون التواصل معه عن طريق موقعه الإلكتروني أو طلب زيارة خاصة إلى الديوانية للتناقش معه بشأن مسألة ما.
إضافة إلى ذلك، فإن زيارات رمضان للمباركة أساساً غير منطقية لأن المعروف أن رمضان هو شهر الاستغفار والدعاء وقراءة القرآن الكريم، وعندما ينتهي يكون ذلك عيداً للناس بعد مُضي شهر من العبادة، إذاً فالأولى أن تكون الزيارات في شوال لمباركة الناس على غفران ذنوبهم، وليس في رمضان لإشغالهم عن العبادة؟!
أما الظاهرة الثالثة - التي كانت السبب في كتابة هذا المقال في هذا الوقت بالذات- فهي ظاهرة انتشار إعلانات النواب في الشوارع لمباركة الناس بالشهر، وهي ظاهرة انتشرت منذ سنوات عدة وتُعد من مخلفات التقسيم السابق للدوائر، وهي محاولة (بايخة) لاستمالة الناخب بدلاً من الارتقاء به ليتعلم الأسس الصحيحة للاختيار، فيا سادة يا نواب لا نريد مباركاتكم في الشوارع، بل نريدها داخل المجلس عن طريق العمل لمصلحة هذه الأمة وتنميتها وتحسين معيشة مواطنيها، كما أتمنى من وزير البلدية أن يصدر أمراً بمصادرة كل هذه الإعلانات لأن هذه الظاهرة بدأت تتسع الآن لتشمل الشركات والمؤسسات وكل (من له شغل أو ما له شغل).