مرة أخرى يعاد الحديث عن انقسام «التكتل الشعبي» بعد تباين آراء أعضائه حول استجواب وزيرة التربية، ويأتي هذا الاختلاف بعد وقت قصير من تباين تصويت أعضائه بشأن شراء القروض، والاهتمام الكبير بهذا الاختلاف دليل على أن هذا النموذج يزعج البعض، خصوصاً سراق المال العام الذين باتوا يطبّلون ويروّجون عبر صحفهم «السوداء» بأن المصير القريب لهذا التكتل هو الانقسام، إذ كيف يستمر تكتل مكون من حضر وبدو وسنّة وشيعة، وكأن اجتماع أطياف متنوعة من أهل الكويت على مبادىء معينة هو أمر غريب، ولم تكن هكذا الحال قبل أن نبتلى ببعض الفئويين والطائفيين!
إن اختلاف أعضاء أي حزب أو تكتل، كل حسب جمهوره الانتخابي، ليس أمراً غريباً، بل هو واقع في كثير من البلدان. فمن المعروف في أميركا مثلاً أن الحزب الجمهوري حزب محافظ بينما الديموقراطي حزب ليبرالي، لكننا نجد أن نوابا ديموقراطيين منتخبين من ولايات محافظة كالولايات الجنوبية ضد خيار الإجهاض عند المرأة والعكس صحيح، فتجد نوابا جمهوريين من ولايات ليبرالية كالولايات الشمالية يؤيدون ذلك الخيار للمرأة. كما نجد بعض الأعضاء الجمهوريين يصوّتون مع الديموقراطيين على بعض القوانين المفصلية والحساسة والعكس صحيح، مثل تصويت السيناتور الجمهوري والمرشح الرئاسي جون مكاين مع الديموقراطيين على قانون الهجرة، الذي أغضب قطاعاً من الجمهوريين لكن لم نجد أحداً يطالب مكاين بالانفصال عن حزبه. فإذا كانعت هذه حال الأحزاب المنظمة فما بالكم بتكتل تكوّن من داخل المجلس وليس من خارجه، مع أن بين أعضائه نظرة مشتركة حول بعض القضايا الاجتماعية، لكن أساس تشكيل التكتل كان على قضايا محاربة الفساد وحماية المال العام وحماية الدستور؟! ولذلك، من الطبيعي جداً أن نراهم يختلفون على مواضيع أخرى، فلكل عضو جمهوره الذي يختلف عن جمهور غيره. لكن من سوء حظ التكتل هو أن اختلاف تصويتهم جاء على موضوع حساس ومن السهل دغدغة مشاعر المواطنين فيه، ألا وهو موضوع القروض، ولم يقم أعضاء التكتل إلى الآن باحتواء الضجة وردة الفعل التي فاجأتهم حيال هذا الموضوع، فهناك الكثير من الحقائق الغائبة عن المواطنين إلى الآن عن ذلك التصويت الشهير، منها أن «الشعبي» أسقط قانون القروض مع أن القانون مازال على جدول الأعمال، إنما تم إرجاعه إلى اللجنة المالية لمزيد من الدراسة، وذلك بعد مبادرة الحكومة بإنشاء صندوق المعسرين، وأيضا لوجود ثغرات كثيرة في القانون نتيجة لكثرة التعديلات عليه إلى يوم جلسة التصويت. فمن الثغرات أن القانون يختص بالقروض المقسطة فقط، أما القروض الاستهلاكية «تحت 15 ألف دينار» فهي غير مشمولة، كما أن القانون ينطبق على القروض التي أخذت قبل شهر إبريل الماضي، فماذا عن القروض التي أخذت وستؤخذ بعد هذا التاريخ؟ إضافة إلى ذلك، لم يكن اختلاف تصويت أعضاء التكتل خرقاً لاتفاق ملزم لأنهم اتفقوا على هذا الاختلاف قبل التصويت، ثم ما الفائدة من الموافقة على قانون سترده الحكومة، مما يعني تأجيل القضية إلى ما يعد سنة من الآن من دون وجود ضمان لموافقة أكثر من نصف الأعضاء عليه؟ ففي مثل هذه الأوضاع، يكون الحل الوسط هو الأفضل حتى نبدأ بالتطبيق الآن لحل مشاكل الناس.لكن ما إن هدأت هذه الزوبعة حتى أتى استجواب وزيرة التربية ليتم تضخيم موضوع الانقسام مرة أخرى، ومع هذا فلا أريد أن أعيش في عالم وردي، فعلى أعضاء التكتل الشعبي أن يكونوا حذرين عند اختلافهم وأسلوب احتواء هذا الاختلاف حتى لا يستغله البعض لمآربه الخاصة لأن هناك الكثيرين ممن يتربصون بهذه التجربة -خصوصاً بعض الصحف وملاكها- من الذين يريدون تكسير هذا النموذج بأي طريقة لأنهم يريدون مجتمعا منقسما ومتصارعا حتى يحلو لهم فعل ما يشاؤون.
مقالات
انقسام الشعبي مرة أخرى!!
17-01-2008