الراحل أحمد الربعي
كان يتميز بالوضوح والصراحة، وكان مرهف الحس لأنه يحب الأدب ويحفظ الشعر ويقرضه، وكان سياسياً ومثقفاً مستنيراً يرفض ثقافة التخلف ويقاومها، وكانت علاقته بالناس قوية وواسعة، وكان يعرف الجميع ويتواصل معهم، لقد كان بحق ظاهرة. إن الكلام عنك يا أحمد لا ينقطع.
ليلة الخميس السادس من شهر مارس 2008 انتقل إلى رحمة الله الأخ الصديق الدكتور أحمد الربعي، وذهبت عصر الخميس إلى المقبرة لأودعه الوداع الأخير، وكان حزني شديداً كحزن أهله ومحبيه، ورأيت جموعاً من المثقفين وعامة الناس تحتشد في المقبرة لوداعه، وليس غريباً أن نرى هذه الحشود جاءت تودعه، فالرجل كان شعلة عطاء لا تتوقف ولا تهدأ، إن زمالتنا تمتد لعشرات السنين عندما كنا طلبة دخلنا العمل السياسي والثقافي والأكاديمي، وكنا نختلف أحياناً ونلتقي فكراً أحياناً أخرى، وكان يتمتع الراحل بمقدرة على امتصاص الاختلاف، لم يحقد على أحد وقد مرت في حياتنا محطات تحتاج إلى تسجيل وقائعها للتاريخ ليس مجالها هنا، كل الذي يمكن قوله في هذه العجالة وفي غمرة الحزن على الفقيد أنه كان صادقاً ومخلصاً لمبادئه، وكان لوحده يمثل تياراً ليبرالياً ومن دون شك كان ظاهرة كويتية وخليجية وعربية. لقد وقفت في المقبرة أنتظر دوري للتعزية بين الحشود وطال الانتظار بسبب الزحام، وكنت أتأمل الوجوه الحزينة وكأنها تقول ليس هذا وقت رحيلك يا أحمد، فالبلاد والعباد يريدون عطاءك ومواقفك لكن إرادة الله سبحانه وتعالى شاءت أن تترجل وترحل، لقد اختلف الكثيرون معك وحول أطروحاتك حتى من أصحابك لكن الجميع يحسون بالخسارة لرحيلك.ولابد من كلمة عن أم قتيبة: لك تعازينا القلبية، لقد ضحت زوجته بالكثير عندما كان الرجل يصول ويجول سياسياً وثقافياً، داخل الكويت وخارجها، ومعظم وقته كان للعمل العام والعمل السياسي والثقافي، لقد كان سياسياً لكنه رفض تسييس التعليم عندما كان وزيراً، وكان مثقفاً مستنيراً يرفض ثقافة التخلف ويقاومها، وكانت علاقته بالناس قوية وواسعة، كان يعرف الجميع ويتواصل معهم. لقد كان بحق ظاهرة واسمحوا لي أن أنحاز إليه في رأيي ليس بدافع العاطفة في غمرة الحزن لصديق وأخ ولكن هذه هي الحقيقة التي أراها، ولم أتعوّد الكلام عن أشخاص في حياتنا بل أركز على الفكر والقضايا لكن وجدت نفسي غير قادر على مقاومة الكتابة عنك يا أحمد.لقد تخلى عنه بعض رفاق الدرب لأسباب عديدة لكننا لم نسمع منه كلمة غير لائقة بحقهم، في الوقت الذي كنا نسمع منهم الكثير، ونحن نبالغ كالعادة في حبنا وكرهنا أو عند اختلافنا وأقسى على أنفسنا من غيرنا، لكن الفقيد الدكتور أحمد الربعي قد حدد منهجه كشخصية عامة أن يقترب من الناس ويكسبهم لا أن يخسرهم. كان يتميز بالوضوح والصراحة، وكان مرهف الحس لأنه يحب الأدب ويحفظ الشعر ويقرضه. إن الكلام عنك يا أحمد لا ينقطع، وليس هذا فقط حقك علينا.نكتب هذه الكلمات في يوم رحيل الفقيد رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وألهمنا وذويه الصبر والسلوان.