دولة الأمن!
جهاز أمن الدولة في الكويت ارتكب حماقة سياسية وخطيئة لا تغتفر في طريقة تعامله مع الصحافيين الكويتيين جاسم القامس وبشار الصايغ، أعاد إلى الأذهان السمعة التاريخية المقززة لهذه المؤسسة الأمنية.
جهاز أمن الدولة بحد ذاته ثقيل على القلب، ويمثل هاجس رعب وخوف لدى الغالبية العظمى من الناس، فبمجرد تداول هذا الاسم يسرح الخيال بعالم كوابيس الضرب والتعذيب والإهانة، حاله في ذلك حال مؤسسات الاستخبارات في دول العالم قاطبة. واستمرار هذه الأجهزة الأمنية يمثل اليوم أحد أبرز الصراعات والتحديات لمنظمات حقوق الإنسان وجمعيات الدفاع عن الرأي، ولذلك فإن نشاط هذه الأنظمة عادة ما يكون فعّالاً في ظل الحكومات السلطوية والمجتمعات المغلقة، وأقل فاعلية في الدول الديموقراطية وذات الانفتاح السياسي، حيث تكون ممارسات هذه الأجهزة الأمنية مرصودة، وتتعرض لأشد أنواع النقد وأحياناً المحاسبة السياسية والقانونية. وجهاز أمن الدولة في الكويت ارتكب حماقة سياسية وخطيئة لا تغتفر في طريقة تعامله مع الصحافيين الكويتيين جاسم القامس وبشار الصايغ، أعاد إلى الأذهان السمعة التاريخية المقززة لهذه المؤسسة الأمنية، وبتوقيت قاتل، حيث الحاجة الماسة إلى كسب الدعم الشعبي والمساندة السياسية في ظل الأجواء المضطربة إقليمياً وعالمياً، وتفشي ظاهرة الإرهاب ومفاهيمه ورموزه لجهاز يفترض أن يمثل هيبة الدولة، وأداة وقائية لا انتقامية وتعسفية.فاستنفار جهاز أمني بهذا الحجم واللجوء إلى أسلوب الخطف والتعذيب بسبب تعليق في منتدى إلكتروني يعتبر مؤشر ضعف ودليلاً على ارتجالية القرار، وليس سلوكاً للقوة أو سلطاناً للهيبة، وهذا ما ترجم التصدي الفوري والعفوي على المستوى الشعبي لما أقدم عليه «أمن الدولة».إن المساس بالثوابت الدستورية وأدب الخطاب خصوصاً لمقام صاحب السمو يعد من الخطوط الحمراء، وذلك لمنزلته السامية واجبة الاحترام والوقار، إضافة إلى موقعه السياسي، ومكانته الدستورية، وعلى الرغم من أن أمراء الكويت قد جسّدوا عبر التاريخ موقفاً راقياً وأبوياً حتى في مقابل النقد الذاتي، فإن الجميع مُطالب، ومن ذات النفس الأخلاقي، ناهيك عن القواعد القانونية أن يرد مثل هذه التحية بأحسن منها أو مثلها، وكان حري بوزارة الداخلية، ومن خلال أجهزتها المختصة، وليس أمن الدولة أن تعالج جريمة التطاول على الذات الأميرية من خلال القنوات القانونية وبهدوء، فالمساس الذي ألحقه هذا الجهاز بمن أؤتمن على الاستنصار له كان أكبر، بل شكل فضيحة سياسية وإعلامية.فاليوم وفي ظل انتشار المواقع الإلكترونية اللا محدودة وصلت الجرأة خاصة بين فئة الشباب إلى حد النقد والسخرية والاستهزاء وحتى الشتم والسباب دونما حدود سياسية أو أخلاقية لتطال الجميع في هذا البلد، وما علينا جميعاً مواجهته ودراسته هو أن هذا السلوك لم يأت من فراغ، وإنما بسبب الحالة السياسية التي وصلنا إليها، والشعور بالإحباط والإخفاق في كثير من نواحي الحياة العامة، وتفشي الفساد واستباحة أموال الدولة، والفشل في استثمار هذا الجيل الذكي في مشاريع التنمية الذي راح يتفنن ويبدع في مثل هذه الاستخدامات التقنية الحديثة، لأنه بصراحة يعيش عولمة خارجية وتخلفا داخليا.