ما أرخص الدم الفلسطيني!! وما أعظم استخفاف «حماس» بهذا الدم!! يستفزون - بألعابهم الصبيانية - الوحش الإسرائيلي ويستدرجونه للبطش بالشعب المغلوب على أمره، حتى إذا وقعت الكارثة والفواجع المؤلمة، حمّلوا حكام العرب مسؤولية الوضع الكارثي بهدف إحراجهم أمام شعوبهم! تلك هي قواعد اللعبة غير الأخلاقية كاملة، فهل هناك ما هو أسخف منها؟دم الإنسان العربي والمسلم يهدر على امتداد أرض العروبة والإسلام، لقد أصبح دماً رخيصاً، ضحايا عرب ومسلمون يتساقطون يومياً في كل مكان على أيدي مفجرين عرب ومسلمين يستعجلون الوصول إلى الجنة في بغداد، انتحاري شاب يلبس حزاماً ناسفاً ويدخل مجلس عزاء فيفجر نفسه فيهم ليسقط العشرات من الضحايا المحزونين، وكل ذلك تحت شعار مقاومة «المحتل» وفي باكستان يختار الانتحاري التجمعات الانتخابية الأكثر ازدحاماً ليفجر نفسه ويسقط المئات من القتلى والجرحى احتجاجاً على سياسة الولايات المتحدة في باكستان، أما في غزة فتوعز «حماس» إلى أتباعها بإطلاق صواريخ بدائية على بلدات إسرائيلية لتثير الرعب والفزع في الإسرائيليين فتتخذها إسرائيل ذريعة لارتكاب سلسلة من المجازر الرهيبة ضد الفلسطينيين يكون حصادها أكثر من «600» قتيل وجريح ثم يخرج علينا الناطق الرسمي باسم «حماس» ليحدثنا عن «الانتصار العظيم» في تقليد مضحك للانتصار الإلهي الذي ادعاه «حزب الله» والذي خلف أكثر من «1000» ضحية من اللبنانيين غير الدمار والتخريب، لقد توحش الإرهاب في العراق وأصبح لايبالي بأي شيء في سبيل تحقيق أهدافه الإجرامية فأصبح اليوم يستغل النساء المختلات عقلياً في عملياته الانتحارية وكل هم هؤلاء المجرمين إسقاط أكبر عدد من الضحايا وإسالة الدماء بغير حساب لإحداث أكبر قدر من الفزع والرعب، ثم الظهور في الفضائيات والتظاهر بالبطولة الزائفة وتوجيه التهديدات الفارغة وكل ذلك على حساب الأبرياء الذين تذهب دماؤهم هدراً.
أما في لبنان، فشرفاء لبنان كلهم مستهدفون بالتصفية الجسدية ولايكاد المجرمون يتوقفون عن عملياتهم الغادرة التي تذهب بضحايا أبرياء. ترى ما دلالة هذا العبث وهذا الجنون اللذين ابتليت بهما المنطقتان العربية والإسلامية؟!
لا دلالة لهذه العمليات الإجرامية المستشرية في الساحة إلا أن الدم العربي ومثله المسلم أصبح اليوم لا قيمة له، ومصداق ذلك أنه لو كان للدم الفلسطيني أدنى قيمة ما عرضته «حماس» للبطش الإسرائيلي؟ لو كان للدم اللبناني أقل اعتبار ما ورطه «حزب الله» في مغامرته غير المحسوبة؟ لو كان الإرهابيون الذين يتاجرون بالشعارات الدينية، يؤمنون حقاً بحرمة دماء المسلمين وأن قتل المسلم من أعظم الكبائر ما تجرأوا على إهدار دماء الآلاف من المسلمين الأبرياء على امتداد العالم الإسلامي؟
لو كان للإنسان العربي بصفة عامة أدنى كرامة ما زجت به النظم العربية الثورية في معارك خاسرة على امتداد نصف قرن؟ في الأمس ضحى «القوميون» بشعوبهم وجلبوا الكوارث لأوطانهم تحت شعارات قومية خادعة، واليوم يكرر الإسلاميون نفس الخطايا والكوارث تحت مسميات «الجهاد» و«المقاومة» وقد بلغ الاستخفاف بقيمة الإنسان العربي واسترخاصه أن بعض الدعاة والمشايخ الذين هيمنوا على المنابر الدينية والإعلامية مازالوا يحرضون الشباب على الهلاك في معارك غير متكافئة نتيجتها معروفة سلفاً بحجة الدفاع عن «كرامة الأمة» الجريحة واسترداد «عزتها» المعقودة!! وإلا ما تفسير تلك المقولة المشهورة والتي تباهى بها رمز إسلامي كبير من فوق المنابر حين تحدى قائلاً: «إذا كان الغرب يملك القنابل الذرية فنحن نملك القنابل البشرية»؟! هل كتب الله علينا أن نتناسل ليصبح أولادنا وقوداً لحروب خاسرة ضد إسرائيل وأميركا والغرب؟ وما تفسير قول بعض الكتاب المتحمسين: «لقد ثبت أن أمضى أسلحتنا ضد إسرائيل هو الإنجاب»؟!
إلى متى يظل «المقاومون» و«المجاهدون» و«الممانعون» يستخفون بعقول الجماهير ويستغلون المنابر الإعلامية والدينية في ترويج طروحاتهم العربية؟ وهل أصبح الإنسان العربي لا وظيفة له في الحياة إلا «النحر» و«الانتحار» حتى يكون جديراً بالشهادة ونيل الثواب؟! وما هذا البؤس الفكري الذي أصبح مهيمناً على عقول هؤلاء الدعاة ونفوسهم؟!
استنكار المجازر الإسرائىلية ضد الشعب الأعزل واجب ودعم ومساندة الفلسطينيين فريضة ولاجدال في ذلك، إنما الاستخفاف بالعقول أمر مرفوض ويجب علينا أن نقول لـ«حماس»: كفى عبثاً، وإلى متى المتاجرة بمعاناة الفلسطينيين خدمة لأجندة إقليمية؟ «حماس» -اليوم- تتحمل مسؤولية مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة بحكم كونها المنفردة بالسلطة وتعريض الفلسطينيين للغارات الوحشية الإسرائيلية أمر يجب عدم السكوت عليه.
يجب وقف نزيف الدم الفلسطيني الذي يهدر يومياً من غير أن يحقق أي هدف لمصلحة القضية. يجب وقف المتاجرة بدماء ودموع الشيوخ والنساء والأطفال وباسم القضية.
إسرائيل مسؤولة بالدرجة الأولى لكن «حماس» أيضاً مسؤولة ولا تعفيها دعوى «المقاومة» لأن المقاومة عندما تكون عبثية تستدعي المساءلة. أين هم اليوم قادة «حماس» الكبار لقد اختفوا وتركوا الشعب الأعزل يواجه الآلة الإسرائيلية الباطشة؟!
وإنه لأمر يثير الأسى والسخرية أن يطل علينا خالد مشعل الذي يعيش بعيداً محصناً ليعيد ويكرر أسطوانته المشروخة التي تعد نموذجاً في فن المراوغة والتهرب من المسؤولية التي يتحمل فيها العرب وحكامهم المسؤولية. ألا يخجل خالد مشعل حين يصرح مخاطباً الحكام «كل لحظة يموت فيها فلسطيني في غزة، دمه وروحه، أنتم مسؤولون عنها أمام الله، إن لم تنصروا شعب فلسطين فإن الله لن يغفر لكم وشعوبكم لن تغفر لكم» لكن أين مسؤوليتك يا خالد مشعل؟ ومن الذي أوصل سكان غزة إلى هذا الوضع الكارثي؟ أليست هي مسؤولية «حماس» بانقلابها الدموي على الشرعية؟ ومن الذي نقض الأيمان المؤكدة تحت أستار الكعبة؟ ومن الذي سجد لله شكراً لانتصاره على أخيه في النضال وسماه «التحرير الثاني»؟! وهل ضمنت ياخالد مشعل مغفرة الله وأنت تعرض الأبرياء للوحش الإسرائيلي بصواريخك البائسة بينما تعيش بعيداً هانئاً آمناً؟! وأين المصداقية في حمل أمانة المسؤولية أمام الله بعد أن استوليتم على الحكم؟! توزيع الاتهامات على الجميع وإعفاء الذات هدفه الأساسي التنصل من المسؤولية عبر سياسة الهروب للأمام لكنه أسلوب رخيص ومكشوف للجماهير. ثم ماذا يفعل حكام العرب تجاه من يكابر ويعاند ويأبى إلا ركوب رأسه والتظاهر بالعنتريات وهو لا يملك أدنى الإمكانات؟!
ما أرخص الدم الفلسطيني!! وما أعظم استخفاف «حماس» بهذا الدم!! يستفزون - بألعابهم الصبيانية - الوحش الإسرائيلي ويستدرجونه للبطش بالشعب المغلوب على أمره، حتى إذا وقعت الكارثة والفواجع المؤلمة، حملوا حكام العرب مسؤولية الوضع الكارثي بهدف إحراجهم أمام شعوبهم! تلك هي قواعد اللعبة غير الأخلاقية كاملة، فهل هناك ما هو أسخف منها؟ وهل رأيت ما هو أشد استرخاصاً لهذا الدم وأكثر متاجرة به؟ وهل هناك أسلوب أعظم ابتزازاً وأشد إثماً من هذا الأسلوب؟! لكن المشكلة أن هذه اللعبة السخيفة تنطلي على بعض الكتاب وبعض الفئات المتعاطفة مع «حماس» إذ سرعان ما نجد في أعقاب هذه المآسي الإنسانية صرخات تتعالى: إلى متى الصمت العربي؟! أين الضمير العربي؟! إلى متى العجز العربي؟ الضمير العربي في العناية المركزة إلى غير ذلك من الأقوال والتصريحات والاستنكارات والاستصراخات التي تلقي باللوم والتقريع على العرب وتتهمهم بالتخاذل والتقاعس بينما تخرس تماماً عن الطرف المتسبب والأساسي في الكارثة وهو «حماس» في تجاهل متعمد لحمايتها من أي لوم أو مسؤولية. وكأن العرب هم المسؤولون عن الوضع الكارثي لسكان غزة لا حكامها بسياستهم الخرقاء. وسؤالي المحدد لهؤلاء المتباكين المحزونين اللائمين: ماذا تريدون من حكام العرب بالتحديد؟! وماذا يفعل حكام العرب تجاه فصيل فلسطيني مستبد برأيه لا يبدي أي مرونة سياسية في حلحلة الوضع؟ وماذا تفعل الدول العربية تجاه من انقلب على الشرعية ونقض الاتفاقيات والعهود وكابر ويتهم الآخرين ولا يعترف بخطاياه؟ لن يتوقف نزيف الدم الفلسطيني في ظل حكم «حماس»، وأخشى أن يطول البطش الإسرائيلي قادة «حماس».
* كاتب قطري