الجيش اللبناني في عمق البارد لقضم فتح - الإسلام
بعد أقل من ثماني وأربعين ساعة على إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة إغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وقبل اكتمال اسبوعين على أزمة "نهر البارد" بدا أمس أن ساعة الصفر لتصفية ظاهرة "فتح الاسلام" قد انطلقت. فقد شهدت محاور المخيم معارك عنيفة بين عناصر فتح الإسلام والجيش اللبناني استعملت فيها كل الأسلحة في حين دكت مدفعية الجيش معاقل المليشيا الأصولية وبؤر تمركزها داخل المخيم.
إلا أن اللافت كان دخول الجيش للمرة الأولى في تاريخ علاقة المخيمات بالدولة اللبنانية الى عمق "البارد" حيث دارت اشتباكات عنيفة وصفتها مصادر لـ"الجريدة" بـ"شبه حرب شوارع" تكبدت خلالها "فتح الإسلام" عشرات الإصابات بين قتيل وجريح. وإذ لف الغموض بعض جوانب المجريات الميدانية لمعركة "البارد" أوضحت مصادر عسكرية لـ "الجريدة" أن الجيش تعمد الإبقاء على هذا الغموض تفادياً للتداعيات السياسية والأمنية لدخوله أمس الى بعض المواقع المتقدمة داخل المخيم. وأوضحت المصادر أن الجيش يعتمد في معركته هذه أسلوب القضم في مواجهة مربعات مسلحي الميليشيا الإرهابية. وفي التفاصيل المتوفرة، ارتكزت العمليات العسكرية طوال يوم أمس، على تكثيف القصف على نقاط محددة تلتها هجمات مركزة بهدف استكمال القضاء عليها. وسط تقتير في المعلومات أراده الجيش بغية التحقق من القدرات العسكرية لـ "فتح الإسلام" بعد زنار نار لفّ به الجيش مراكزها. وكشفت المصادر العسكرية لـ "الجريدة" أن عمليات القصف أمس هي مرحلة أولى تمهيدية ستعقبها سلسلة ضربات "وعمليات تطهير سريعة تنسحب بعدها قوات الجيش اللبناني" بعد التأكد من الإجهاز الكامل على مواقع الميليشيا تباعاً وقتل عناصرها وحمل البقية على الاستسلام. وأفادت مصادر فلسطينية ولبنانية متطابقة لـ"لجريدة" أن ثمة اتفاقاً غير معلن بين الجيش وفصائل فلسطينية بينها حماس تعمل على معاونة الجيش اللبناني عسكرياً عبر تأمين حصار عناصر ميليشيا "فتح الإسلام" ومنع تمددها في المخيم بما يسهل تصفية عناصرها. وإذ تزامنت هذه اللحظة العسكرية في مسار أزمة مخيم "نهر البارد" مع كثافة في المبادرات السياسية ما بعد إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي، فإن الرسائل الإعلامية بين قوى 14 آذار والمعارضة التي اقتصرت على الدعوة إلى العودة إلى الذات، وفتح أبواب الحوار، لا تعدو كونها إعلان نيات غامضة، دونما تقليل حاجة كل من الطرفين إلى استعادة الحوار مع الآخر لإدارة مشتركة لانتخابات رئاسة الجمهورية. فعلى الرغم من دخان المبادرات لا يزال كل من فريقي الأزمة يتسلّح سلفاً بشروط مسبقة: لا المعارضة تدخل في حوار للاتفاق على برنامج سياسي للمرحلة المقبلة مع قوى 14 آذار قبل استقالة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي تتهمها باللا دستورية واللا شرعية ، ولا قوى 14 آذار تجلس إلى طاولة حوار مع الفريق الآخر لا يكون على رأس جدول أعمالها البحث عن حل مرحلي وجدي لسلاح حزب الله، بما يضمن إخراج السلاح نهائياً من معادلة الصراع السياسي. ثم أن الخوض في حوار جديد بين طرفي النزاع لا يبدو مستعجلاً وملحاً بمقدار ما تريد أن توحي به المواقف المعلنة والنيات. ويبدو أن كلا منهما يعوّل على نتائج أحداث مخيم "نهر البارد" من أجل رسم ملامح توازن سياسي جديد في البلاد.