هل يستطيع بلير الطلب من إسرائيل تفكيك المستوطنات أو عدم بناء مستوطنات جديدة، وكذلك هدم جدار الفصل العنصري، طبقاً للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، وهل يستطيع أيضاً الطلب من إسرائيل الكف عن تدمير المؤسسات الفلسطينية وملاحقة النشطاء الفلسطينيين والامتناع عن التدخل في الشأن الفلسطيني؟هل تستطيع كوندوليزا رايس، وزيرة خارجية الولايات المتحدة، تهدئة المخاوف الفلسطينية والعربية بشأن المؤتمر الدولي للسلام الذي دعا إليه الرئيس بوش في الخريف المقبل في مدينة اينابوليس؟... هذه المخاوف والشكوك كانت تتعاظم بسبب استبعاد المؤتمر مناقشة مشكلة احتلال اسرائيل للجولان السورية، ولم يتم التوصل إلى اعتماد الوثيقة المقترحة للمشكلات التي ظلّت معلقة منذ اتفاق اوسلو ونعني بها: الحدود، القدس، اللاجئون، الاستيطان والمياه، وهو ما ألمح إليه رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس، لكن ماذا عن مهمات الوسيط الدولي أو ممثل الرباعية طوني بلير! ودوره في دفع عجلة المؤتمر، خصوصاً أن اختياره جاء عشية إعلان الرئيس بوش نيته التحضير للمؤتمر!
قبل سويعات من تنحّي رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير «مُكرهاً» عن منصبه، أسند إليه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وظيفة جديدة، تكريماً لتحالفه المديد في الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، خصوصاً خلال غزو أفغانستان والحرب على العراق واحتلاله، لكي يعمل كمبعوث جديد للجنة الرباعية في الشرق الأوسط، بعد أن كان قد تم ترشيحه خلفاً لبول وولفويتز، الذي اضطر الى الاستقالة من منصبه مديراً للبنك الدولي بسبب فضيحة الفساد.
وجاءت مكافأة بلير من جانب بوش بعد أن خسر منصبه كزعيم لحزب العمال البريطاني ورئيساً للحكومة، لدعمه ومساندته اللامحدودين للسياسة الأميركية.
ومن المعروف أن اللجنة الرباعية تتألف من أربعة أطراف هي: الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد عارضت روسيا تعيين بلير في بداية الأمر كمفوض للجنة الرباعية، لأنها أرادت أن تشعر واشنطن أن اللجنة الرباعية ليست مؤسسة أميركية، بل هيئة دولية، ولعل هذا التمنّع جاء بعد سعي الولايات المتحدة إلى نصب صواريخ في بولونيا وتشيكيا على الحدود الروسية، الأمر الذي استفزّ روسيا، التي لم تتزحزح عن مواقعها برغم الزيارة الحميمة التي قام بها فلاديمير بوتين إلى بيت عائلة بوش في منتجعها الشهير!
وكانت روسيا قد قررت الانسحاب «موقتاً» من معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا، إلى حين موافقة حلف شمال الأطلسي (الناتو Nato) على تعديل بنود هذه المعاهدة الصادرة عام 1990، وأخذ التغييرات الحاصلة في أوروبا في السنوات الأخيرة الماضية بنظر الاعتبار.
مارست الولايات المتحدة ضغوطاً على الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة حتى توافقا على ترشيحها لطوني بلير، ولعل واشنطن والرئيس بوش الذي سيغادر البيت الأبيض، لا يريدان أن يتركا القضية الفلسطينية وهي مسألة جوهرية وأساسية للصراع في الشرق الأوسط، بعيدة عن تأثيراتهما، برغم وجود الحليف «الوفي»، إلاّ أن الإدارة الأميركية لاتزال تتمسك بالأوراق الأساسية بيدها، وترفض أي اقتراح حتى من «حلفائها» الأوروبيين بتوسيع صلاحيات اللجنة الرباعية لكي لا تمارس ضغوطات على إسرائيل.
فهل يستطيع طوني بلير أن يلعب دور الوسيط الدولي من خلال موقعه الجديد، بعد أن عجز عن ذلك وهو في موقع السلطة؟ فقد أبدى بلير رغبة في أن يلعب دوراً جديداً في الصراع العربي - الإسرائيلي، لاسيما لجهة شقه الفلسطيني، وذلك حين دعا قبل سنوات إلى مؤتمر دولي في لندن، لمناقشة القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد وصول اتفاقات أوسلو - مدريد إلى طريق مسدود، لكن إسرائيل في حينها رفضت المشاركة في المؤتمر رغما عن الولايات المتحدة، من دون أن يجرؤ بلير على انتقاد موقفها.
هل يستطيع بلير الطلب من إسرائيل تفكيك المستوطنات أو عدم بناء مستوطنات جديدة، وكذلك هدم جدار الفصل العنصري، طبقاً للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في لاهاي، الذي قضى بعدم شرعية بناء الجدار ودعا إلى هدمه، استناداً إلى قواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977؟... وهل يستطيع أيضاً الطلب من إسرائيل الكف عن تدمير المؤسسات الفلسطينية وملاحقة النشطاء الفلسطينيين والامتناع عن التدخل في الشأن الفلسطيني وفك الحصار عن الشعب العربي الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزة بدعوى مواقف «حماس»، مثلما كانت دعواها بشأن موقف الرئيس ياسر عرفات؟
وبغض النظر عن المسؤولية فيما وصلت اليه الأوضاع وردود الأفعال، بما فيها لدى الجانب الفلسطيني، فيما يتعلق بالصراع الداخلي، فإن موقف الوسيط يتطلب الحيدة والنزاهة والتوازن بين الفرقاء.
ومن دون قراءة إسقاطية من الماضي على الحاضر، فإن الانطباع السائد في الوطن العربي، وهو يشمل الحكومات أيضاً إضافة إلى النخب الفكرية والسياسية وفاعليات المجتمع المدني، فإن طوني بلير هو استمرار للموقف البريطاني غير المتوازن، كان يقف إلى جانب واشنطن المنحازة إلى جانب إسرائيل، وخلال وجوده في 10 دواننغ ستريت في السنوات العشر الماضية، لم يدّخر وسعاً إلاّ وكان قد وظفه لمصلحة أحد أطراف النزاع المستدام أو هكذا يبدو.
إن تبديد هذا الانطباع يتطلب جهداً عملياً ملموساً وتراكماً مشهوداً للتحرر من تبعة السياسة البريطانية المعتقّة إزاء الشعب العربي الفلسطيني منذ وعد بلفور عام 1917، وبعد صدور قرار التقسيم رقم 181 لعام 1977، وخلال الحروب الإسرائيلية ضد العرب.
مهمّات الوسيط تقتضي وفقاً لما هو «راهن» متابعة المفاوضات بشأن «الدولة الفلسطينية» وعاصمتها القدس، وإعادة اللاجئين، وتفكيك المستوطنات، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، خصوصاً 242 و338 و425، أليس في ذلك محور ما يسمّى بـ «الشرعية الدولية»!! التي ينبغي أن تكون الإطار الذي يحكم المؤتمر الدولي الذي دعا اليه الرئيس بوش؟!!
* كاتب ومفكّر عربي