Ad

أكاد أجزم بأن أياً من وزرائنا وعلى رأسهم الإخوة التكنوقراط، لم يكلف خاطره عناء أن يتجول بلا بهرجة ولا إعلانات مسبقة في أروقة وزارته ليرى بأم عينه كيف يعاني المراجعون أصناف وألوان الإجراءات والتعقيدات الإدارية غير المبررة جميعها.

لا أظنني سأجد اليوم من يختلف معي في مقولة إن الأداء الإداري في الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية بشكل عام هزيل وسيئ للغاية، ولو وجد أحد منكم عنده شيئاً يخالف هذه المقولة الحادة القاصمة التي سأظل مصراً عليها حتى يأتيني اليقين، فيسرني أن أنشره له في هذه الزاوية من باب الإنصاف!

خلال السنوات الأخيرة لم تأتِ أي وزارة من وزاراتنا الرشيدة بإنجاز نوعي يستحق الإشادة فعلاً على صعيد التنمية والتطوير، ولو قلبنا الذاكرة بحثاً عن أي شيء ولو كان صغيراً يتيماً «وعلى قد حاله»، لوجدنا صور المشاريع الفاشلة وملفات الهدر والفساد والاعتلال تتزاحم في مخيلتنا، لتسحق وتخنق كل الأشياء الصغيرة اليتيمة التي حاولت أن ترفع رأسها. ويصبح الطعم في الحلق أكثر مرارة إن شاغبتنا الذاكرة فوق هذا باستحضار مظاهر النهضة الحضارية على الصعيد الإداري في بعض دول الخليج المجاورة!

ولا أزال حتى الساعة عاجزا عن فهم المقصود بالدعوة المتكررة التي يطلقها بعض نوابنا وصحافيينا بين الفينة والفينة بشأن ضرورة أن تتكون الحكومة من وزراء تكنوقراط، فما فائدة هؤلاء وقد رأينا الكثير منهم يأتون ويذهبون، وبقيت وزاراتهم على أوضاعها البيروقراطية المعقدة نفسها وعلى أمراضها الإدارية المزمنة ذاتها؟!

أكاد أجزم بأن أياً من وزرائنا وعلى رأسهم الإخوة التكنوقراط، لم يكلف خاطره عناء أن يتجول بلا بهرجة ولا إعلانات مسبقة في أروقة وزارته ليرى بأم عينه كيف يعاني المراجعون أصناف وألوان الإجراءات والتعقيدات الإدارية غير المبررة جميعها، تلك التي ورثتها الإدارات الحكومية جيلاً بعد جيل واستمرت في تطبيقها على طريقة قصة القرود الخمسة الشهيرة من دون حتى السؤال البسيط عن معناها أو هدفها!

يوم أسود ينتظر المواطن لو اضطرته الظروف إلى أن يراجع دائرة حكومية لإنجاز معاملة ما، فبالإضافة إلى الحشود الضخمة للمراجعين في مقابل قلة الموظفين العاملين فعلاً، وإلى الاحتمال الكبير في أن تكون الإدارة الحكومية المقصودة عبارة عن شاليه من الصفيح والخشب، وإلى لزوم التنقل بين عشرات الجهات للحصول على عشرات التوقيعات غير اللازمة أصلاً، وإلى حكاية أن الصندوق دائماً يغلق في تمام الساعة الثانية عشرة رغم أن الدوام الرسمي ينتهي في الثانية، وإلى قصة «السيستم واقف» المتكررة دائماً في كل وزارة، أقول بالإضافة إلى هذا كله وغيره مما تضيق المساحة عن ذكره، فليس أسهل على الموظف من أن يقول للمراجع بكل هدوء «وانشكاح» إن الملف قد ضاع، ويطلب منه العودة مرة أخرى إلى خط البداية!

لست بحاجة إلى أن أعدّد الإدارات الحكومية التي تسكن في شاليهات الصفيح والخشب المتهالكة، ولست بحاجة إلى أن أُسمي الإدارات التي يكتظ فيها المراجعون في حشود غير منظمة من دون أن يكلف أحد من هذه الإدارات عناء ترتيبهم في طوابير منظمة وتوفير الموظفين الكافين لقضاء شؤونهم، ولست بحاجة إلى أن أذكر أسماء الجهات الحكومية التي يعتبر فيها الأصل في الملفات الضياع لأن كل ملف يولد ضائعاً حتى يثبت وجوده!

معالي السادة الوزراء حفظكم الله، صدقوني، لو استغل كل واحد منكم تلك الشهور القليلة المعدودة التي يشاء الله له أن يقضيها في الحكومة فقط في الاجتهاد لتحسين ظروف وزارته على الصعيد الإداري الداخلي، وفي تسهيل الروتين الطويل والتخلص من البيروقراطية البالية المتمثلة في طلب آلاف الأوراق والشهادات غير الضرورية من المراجعين -لو فعل أي وزير منكم هذا فقط- لسجله تاريخ الكويت الحديث في أنصع صفحاته... صفحة الوزير الكويتي الذي حقق شيئاً!