كم أنت شاطر!
بعد قراءتي رواية «نادي البهجة والحظ» للكاتبة الأميركية - الصينية «آمي تان»، التي كتبتها في البداية كمجموعة من القصص القصيرة المترابطة المتصلة، تتناول حكايات نساء عددهن ثمان ٍيتردد ذكرهن في ست عشرة قصة منفصلة، لكن مراجعي الكتاب تعاملوا معه على أنه رواية معقدة الحبكة، ولم ينزعجوا من التعقيد، ولا من صعوبة الترابط فيها، ولا من غموض نسجها.
هذه الرواية الصعبة في تشابك نسيجها، كانت مفاجأة أكثر الكتب مبيعاً، ومدرجة لأكثر من أربعين أسبوعاً على لائحة «نيويورك تايمز»، ورُشحت لجائزة الكتاب الوطني، وجائزة نقد الكتاب، وفازت بجائزة Commonwealth Gold Bay Area Book Reviewers Awrd ثم حُوِّلت إلى فيلم سينمائي. أتصور لو أن كاتبة الرواية عربية، لوجدت من يقول لها بأن روايتها مفككة، أو أنها غامضة المحتوى، وبالتأكيد سيكون هناك كاتب شاطر جداً سيخرج علينا بمقولة عبقرية تقول: هذه الرواية تستطيع أن تقرأها من أي فصل تُريد، من أولها أو آخرها أو وسطها... وهذه الشطارة في حقيقتها تنكفئ على قائلها بمردود جهله... فلا توجد رواية لها متن تسمح للقارئ بأن يقرأها كيفما شاء... مهما كانت حبكتها بسيطة أو صعبة. المسألة كلها متعلقة بصبر القارئ، ومدى ثقافته وقوة وعيه الفني، وإدراكه لدوره في إعادة كتابة النص. النص لعبة حلوة تجري بين المؤلف والقارئ، والمتعة المتأتية ينالها الاثنان. الكاتب يغيب في متعة تركيب بنائه الروائي، في ألغاز حبْك شبكته.. وتطورها وبلورتها في بناء ضخم استوى تحت أصابعه، وتجاوزه بعد ذلك ليُصبح ملك قارئ سيفتش عن آثار بصمات الكاتب المدسوسة في غرز النسيج، وكلما كان ذكاؤه ووعيه وصبره اكبر، كانت متعة اللعب والاكتشافات اكبر... فلذة القراءة توازي لذة الكتابة. هي لعبة متبادلة... لها طرفان... لابد أن يلتقيا على صفحات الكتاب، ولن تكتمل متعة الكتابة إلا بالتقاء اللاعبين. ومثلما أغيب في متعة لعبة التأليف، كذلك تُغيّبني لذة القراءة... لا أفصل بينهما... وكلما كان تعقيد النص اكبر، كانت متعة تفكيكي له اكبر، فمن الرائع أن تدرك لحظات تفكك الغرز واكتشاف الأسرار المخبوءة... حينها تصرخ «ياه... يخرب بيتك كم أنت شاطر» أو تصيح بلا وعي برافو... ويردد الصدى صوتك في غرفة مغلقة... والحمد لله أنها مغلقة. النص الشاطر... والمؤلف الشاطر... والقارئ الشاطر... كلهم أصحاب الرواية الناجحة، هم من جعلها ناجحة... ومنحها صفة النجاح. إذن، ليست هناك رواية معقدة أو رواية تُقرأ كيفما كان... أولها، وآخرها أو منتصفها سيّان، هناك قارئ يجهل متعة القراءة، ويجهل كيفية الوصول إلى نعيم المعرفة.