«الله هو القدرة الكلية التي سيلجأ إليها المسلم لحمايته في ظل هذا الجنون. الله سيحميه من أميركا وإسرائيل وسلطتهما الجائرة. العودة لله طريق خلاصه الوحيد».

مازلت أذكر كلمات ذلك الشاب الذي خاض قبيل اعتقاله، تجربة مع إحدى التيارات الإسلامية المتشددة. أفرج عنه ضمن العفو العام الذي صدر في سورية عام 2005 بحق عدد من المعتقلين السياسيين، كان من بينهم «شاكر العبسي». بعد أقل من سنتين، عاد الشاب إياه إلى السجن مرة أخرى وللسبب نفسه. أما«العبسي»، فأصبح قائداً لما يعرف

Ad

بـ تنظيم «فتح الإسلام». شخص آخر من بين المفرج عنهم في ذلك العفو، ورد اسمه ضمن التقارير الإخبارية مؤخرا، على أنه من بين قتلى«فتح الإسلام».

بغض النظر عن الشكوك المحيطة بدور «العبسي» وارتباطاته الإقليمية، فإن ذلك لا ينفي أن شباناً من مختلف الجنسيات، ليس لهم على الأرجح مصالح محتملة في الصراع الدائر بين لبنان وجارته سورية، ينضوون ضمن التنظيم الذي يقوده، عن إيمان وقناعة. أيضا، الشاب الذي حدثني يومها مطولاً عما عاناه من تعذيب ومهانة أثناء سجنه الأول، فإن ذلك لم يمنعه من تكرار «المغامرة» مرة أخرى.

بقدر بشاعة الأعمال التي ارتكبها، أو قد يرتكبها أولئك الشبان، فإنها تتطلب قدراً من «الشجاعة» ليس بقليل: من أجل التزنر بحزام ناسف، أو تعريض الذات لتجربة اعتقال جديدة تحمل ما تحمله من معاناة جسدية ونفسية. قد توصف كلمة«شجاعة»هنا بأنها محض هراء. فحوريات الجنة وأنهار العسل، هما المحرك الوحيد لأولئك الإرهابيين! قد يقول البعض.

صحيح أن «للزهد» بالحياة الدنيا مقابل «مغريات» الحياة الآخرة دوراً لا يمكن إنكاره. لكن أيضا، لا يجوز إنكار تلك «الشجاعة»، بوصفها إحدى تجليات الخوف والذات المهدورة.

يؤدي «اضطراب ضغط ما بعد الصدمة»، إلى آثار أساسية على تكوينات الذات النفسية وعلى أنظمة الارتباط والمعنى، التي تربط الفرد بالجماعة. تدمر هذه الآثار افتراضات الثقة الجوهرية لدى الضحية حول الأمان في العالم، أي القيمة الإيجابية للنفس ونظام الخلق الهادف، وفقا لجوديث هيرمان. ومن يشكو من «اغتصاب الأرض والكرامة» و«استباحة» دماء المسلمين...الخ، ليس بعيداً أن يعاني من «اضطراب ما بعد الصدمة»، فقدان الإحساس بالأمان، وأية قيمة إيجابية للذات والآخر. أستطيع هنا أن أفهم بعمق أكبر، كلمات الشاب إياه، عندما تحدث عن «الله كليّ القدرة» بصفته الملجأ الوحيد. الله الذي نصّب ابن لادن والعبسي وسواهم من أنفسهم، ممراً إجبارياً إليه. لكن هل طرح الآخرون ممن يتصدرون مهمة«مكافحة الإرهاب» ملاجئ بديلة؟!

الخوف المتجلي في «شجاعة» قتل الذات والآخر، يخضع لرعاية مستمرة تضمن استمراره وتضخمه. الغرب الديموقراطي، يفضل الإبقاء على أنظمة القهر والفساد، في سبيل الحفاظ على «الاستقرار». وتلك الأنظمة، تحقق «استقرارها» عبر التنكيل بشعوبها وترسيخ حالة التخلف والجهل التي تعيشها. هذا بدون أن نتحدث عما تنتجه أوضاع بلدان مثل فلسطين والعراق وغيرها، على صعيد الوعي العام في المنطقة.

يستوي في هذا المقام، الخوف من الموت بصاروخ يخترق جدار منزل، مع الخوف من جوع اليوم التالي، مع الخوف من زنزانة معتمة في قبو مخابراتي، وأيضا مع الخوف من انعدام القيمة وعبثية الوجود. الخوف الذي يحتاج إلى«الله كليّ القدرة» لتبديده. بالدعاء عند البعض، وبحزام ناسف عند آخرين.

لا يعني ما سبق، إنكار وجود التبرير والدافع الشرعيين لدى القائمين بأعمال عنفية وحشية. ولا ينفي على الإطلاق الحاجة الماسة إلى الإصلاح الديني. لكن، هل هناك بالفعل إمكانية لمثل هذا الإصلاح، في عالم ينقسم فيه الإسلام إلى إسلاميين، أول متشدد له رموزه التي تستغل ما يعتمل في نفوس الكثير من الشباب الثائر على أوضاعه المزرية، وثان «معتدل» نسبيا، ولكن مرتهن لسلطات هي احدى أسباب الواقع البائس. هذا مع العلم بأن جزءاً كبيراً من خطاب ما يسمى بالإسلام المعتدل، يحمل في طياته بذور التشدد والتطرف، ويمارس ما تمارسه السلطات نفسها من قمع لحرية التعبير والرأي، وليس هذا موضع بحثنا هنا.

في النتيجة، فإن الحرب على الإرهاب التي يخوضها العالم، تبدو مثيرة للسخرية. فحتى لو استثنينا حالات«صناعة» بعض القوى الإرهابية، لأغراض سياسية قذرة هنا وهناك، فإن نمو الإرهاب وانتشاره، لن يتوقفا لمجرد أننا نراه شرا، فنفتح السجون على مصراعيها لعناصره، أونمهد الطريق لها للعبور إلى الموت الذي تسعى إليه.!

طالما من يحاربون الإرهاب، يخافون حريتنا، ويحولون ضدها، حفاظا على السلطة، أو على «استقرار» ملغوم بالتفجر كما يثبت كل يوم، فإننا جميعا وبلا استثناء، سنبقى في دائرة الخوف والعنف.

أوردت منظمة العفو الدولية في مقدمة تقريرها لعام2007 تساؤلا وإجابة بليغين: «لماذا يعزز بعض القادة الخوف؟ الجواب بسيط: فالخوف يتيح لهم توطيد سلطتهم وترسيخ يقين زائف وتفادي المساءلة». حتى الآن لا يبدو أنهم يفقهون أسرار هاوية الخوف والعنف، التي لن تستثني أحداً ولو طال المقام.

كاتبة سورية