المرونة الإيرانية تعطل مفعول المقاطعة الأميركية!
ثمة من يؤكد في طهران أن إيران تجاوزت خطر الضربة العسكرية الأميركية كما باتت الإجراءات الاقتصادية التي تهدد بها أميركا إيران ليست ذات معنى، وذلك بعدما فشلت فرنسا في تجييش مشاعر الاتحاد الأوروبي وقراره ضد طهران، ويدللون على ذلك بإقدام النمسا على عقد اتفاقية إنشاء خط لنقل الغاز الإيراني عبر تركيا، وامتناع إيطاليا الشريك التجاري الأول لطهران عن التجاوب مع العاصمة الفرنسية.
أياً كان الاتجاه الذي سيسلكه الرئيس محمود أحمدي نجاد تجاه التهديدات المتصاعدة تجاه بلاده من جانب كبار المسؤولين الأميركيين، وآخرها تصريحات رايس المحسوبة على خط «الحمائم» في ما يتعلق بالخيار العسكري ضد طهران التي قالت أخيراً «إن طهران تشكل التحدي الأكبر الوحيد للمصالح الأمنية الأميركية في الشرق الأوسط، وربما في كل أنحاء العالم» فإن السؤال الكبير يبقى بشأن ما يجري من حراك داخلي في إيران وحراك خارجي من حولها وبشأنها ألا وهو: أين تقف إيران الآن؟! وإلى أين تتجه؟! سؤال لاشك أنه مشروع وقد يحمل في طياته بعض القلق على إيران من أصدقائها وبعض القلق من إيران من جانب خصومها. فماذا يقول الذين يعرفون إيران من الداخل عن هذا السؤال المركزي؟ يقول العارفون ببعض بواطن الأمور إن كل ما ترونه من إيران في الظاهر الخطابي أو الكلامي أو «الشعاري» ما هو إلا وجه واحد من وجوه إيران، وقد لا يكون الجزء الرئيسي من وجوهها، فإيران وإن كان صحيحاً أن في داخلها خلافات جدية بين أطراف نافذة بشأن طريقة التعامل مع الملف الأساسية تعاطياً وتعاملاً ونهجاً وسلوكاً وتكتيكاً وأداء، إلا أن ما يوحد كل أولئك ويضعهم في خانة واحدة في اللحظة المطلوبة هو كون الجميع يعود إلى القراءة التي يقدمها لهم الخبراء المعنيون بكل ملف في إطار ما بات يصطلح عليه منذ مدة بـ«تشخيص مصلحة النظام العليا» في كل قرار يتخذ، وهو الأمر الذي أنشأوا له مجلساً خاصاً سموه بـ«مجلس تشخيص مصلحة النظام»! القارئون بدقة لما يتم تداوله في الأروقة الخلفية وفي «مطابخ» صياغة القراءات التي تساعد على اتخاذ القرار المناسب يقولون: إن القدر المتيقن لدى صانع القرار الإيراني هو أنه يتجنب أي فعل مهما كان صغيراً يؤدي إلى إشعال فتيل الحرب مع واشنطن، لاسيما الوجه المتطرف من العاصمة الحربية المعالم هذه الأيام! والدليل هو تحمل طهران وسكوتها عن كثير من الانتهاكات والاعتداءات ضد مواطنيها ودبلوماسييها في العراق على طريقة المثل الإيراني الشهير: «رأيت الجمل، لا ما رأيته»! وهل يخفى الجمل؟! غير أن طهران تضع كل خلافاتها الداخلية مهما عظمت أمام المصالح القومية العليا التي تعتقد أن رعايتها وحمايتها في هذه اللحظة تتطلبان الدراية في معالجة الملفات و«المداراة» في التعاطي مع الخصم، واللتين تعتبران السبيل الأمثل في المواجهة رغم كل الأصوات العالية التي تنطلق من أكثر من اتجاه وإلى أكثر من اتجاه، وما حمله بوتين إلى طهران من اقتراح إنما يتلخص أيضا في هذا الخيار الاستراتيجي الذي يلخصه العارفون بالقول: تعاونوا معنا اقتصادياً إلى الحد الأقصى لاسيما في مجال الغاز والتأسيس لأوبك الغاز انطلاقاً من التعاون حول حقل «بارس جنوبي» مع شركة غازبروم الروسية العملاقة التي تحكم روسيا وصولاً إلى استمرار التسلح على أكثر من صعيد مروراً عبر التفاهم على تقاسم الثروات والنفوذ على بحر الخزر، وأيضا عبر الانفتاح على أوروبا المتبرمة من الأحادية الأميركية من خلال طمأنتها بشأن موضوع التخصيب! وعندها نستطيع وإياكم مواجهة أميركا المنكسرة أحاديتها، والمجروح كبرياؤها في العراق والإقليم بما يجنبكم ويجنبنا حرباً جديدة! وهنا يعرف سر التعايش والتفاهم الذي أعيدت صياغته بين لاريجاني وأحمدي نجاد، ومن قبله بين نجاد وروحاني ومن ورائه رفسنجاني، والتي تأتي جميعاً في إطار مقولة «دبلوماسية حياكة السجاد الإيرانية الشهيرة»! ثمة من يؤكد في طهران أن إيران تجاوزت خطر الضربة العسكرية الأميركية كما باتت الإجراءات الاقتصادية التي تهدد بها أميركا إيران ليست ذات معنى، وذلك بعدما فشلت فرنسا في تجييش مشاعر الاتحاد الأوروبي وقراره ضد طهران، ويدللون على ذلك بإقدام النمسا في هذه اللحظة التاريخية الحساسة على عقد اتفاقية إنشاء خط لنقل الغاز الإيراني عبر تركيا وامتناع إيطاليا الشريك التجاري الأول لطهران عن التجاوب مع العاصمة الفرنسية، والمحادثات الأخيرة التي أجراها المفاوض الإيراني القديم والجديد مع برودي التي وصفت بالناجحة والبناءة دليلٌ إضافي على ما نقول. وأما إذا ما أخذنا اتفاقية نقل الغاز الإيراني إلى باكستان، والمقترح الروسي النوعي ومن الوزن الثقيل بخصوص أوبك الغاز مع طهران والدوحة وكاراكاس فماذا سيبقى عندئذ من تأثيرات للقرار الأميركي المنفرد ضد طهران وتصلب فرنسا وسط خلافات أوروبية حادة بشأن جدوى العقوبات على العاصمة الإيرانية؟! سؤال برسم الزمن الخريفي الذي يعصف بمعادلة الهيمنة والأحادية الأميركية! * الأمين العام لمنتدى الحوار العربي-الإيراني