Ad

ما يُطرح على مجلس الأمة من أزمات وقضايا ابتداءً بالمسائل الكلية وانتهاءً بالمشاكل اليومية هي قضايا ملحة وضرورية للمواطن الفرد أو المجاميع الشعبية. فالمواطن عندما يكون على المحك في خضم المعاناة لا يجد سبيلاً لإيصال هذه الهموم إلاّ من خلال القناة البرلمانية.

قد يحلو للبعض، بغض النظر عن النوايا الحقيقية والأحكام المسبقة، أن يربط مجلس الأمة بالأزمات المتلاحقة أو حتى اتهام مجلس الأمة بأنه مصدر هذه الأزمات، ومثل هذا الحكم ظاهرياً في محله خصوصاً في ظل الأداء الحالي للمجلس، ولكنه في الوقت نفسه استنتاج سياسي يقفز على كثير من المعطيات الواقعية والتركيبة السياسية-الاجتماعية للمجتمع الكويتي في إطاره العام.

فالأزمات والقضايا المطروحة في مجلس الأمة بدءاً بالمسائل الكلية مثل الأزمة الإسكانية والأوضاع الصحية وتدهور التعليم مروراً بالهموم العامة التي تؤرق مجاميع كبيرة من الأسر والعوائل الكويتية مثل أزمة القروض وارتفاع الأسعار والاختناقات المرورية وانتهاء بالمشاكل اليومية التي تهم إما شرائح معينة أو تفرض نفسها على الإعلام كالكوادر الخاصة ببعض المهن أو الاعتداء على الأطباء أو أزمة البورصة أو جريمة الاعتداء على أطفال المدارس أو أزمة البيض وغيرها من القائمة التي لا، ولن، تنتهي في أي مكان أو زمان، مثل هذه القضايا إذا لم تلقّ صدى في مجلس الأمة... فأين يمكن التعبير عنها وإثارتها؟

فالمواطن الفرد- أو المجاميع الشعبية- عندما يكون على المحك في خضم المعاناة أو حتى في حالة الإعلان عن التذمر لا يجد سبيلاً لإيصال هذه الهموم إلاّ من خلال القناة البرلمانية، لأنها الأسهل في الوصول إليها عبر دواوين النواب أو مكاتبهم أو من خلال التواصل اليومي والمستمر مع الأعضاء في المناسبات والملتقيات الاجتماعية، بل والأكثر من ذلك لإيمان المواطن بأن المطالبة والضغط وإيصال الشكاوي والهموم من حقوقه المكتسبة لأنه ساهم في إيصال نوابه إلى قبة البرلمان بشكل مباشر.

وإذا أخذنا منظومة «المدخلات والمخرجات» كنموذج لصنع القرار ببعديه الطبيعي والقانوني، فإن هذه الأزمات التي تثير ضيق المجتمع تتدفق بشكل تلقائي وعملي ويُعبّأ من خلالها النواب. وبالتالي فإن نتائج التعبير عنها أو تبنيها أو إيجاد الحلول لها أمام التصدي الحكومي ورفض قطاعات أخرى من المجتمع لها بالتأكيد، تفجر حالة من التصعيد، ويتحول هذا التصعيد إلى أزمة إذا طال أمد هذه المشاكل... وهذا هو واقع الحال عندنا في الكويت.

أما المفارقة الجميلة فتكمن في استمرارية توالد هذه المشاكل من جهة والمواقف المختلفة إزائها من جهة أخرى، فالمتضررون من نقص البيض، مثلاً، لا يرون أن إثارة الموضوع في مجلس الأمة تصعيداً، بل واجباً على النواب للإحساس بمعاناة الناس، بينما يستاء الآخرون من ذلك ويصفون تبني الأعضاء لمسألة البيض تأزيم سياسي ومحاولة لإدخال البلد في نفق مظلم. وبمجرد أن يفرض موضوع آخر نفسه على أجندة المجلس فتتبدل المواقف ولكن تظل النتيجة واحدة، فجماعة البورصة، مثلاً، يرون أن هبوط مؤشر الأسهم كارثة وطنية يجب أن يتصدى لها مجلس الأمة بقوة، ولكن جماعة البيض يحسبون ذلك تصعيداً وإدخالاً للبلد في أزمة سياسة لمصلحة بعض التجار والشركات، ويسري هذا التنوع في الاهتمامات الشعبية على مختلف القضايا والمشاكل اليومية... ولهذا، فإن عنصر التأزيم وتعريفه يظل قائماً باستمرار ويتحمل وزر ذلك في النهاية مجلس الأمة أمام النقد الدائم: «ليش قاضبين موضوع كذا... وهادين الموضوع كذا...»!!