اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية 5/6

نشر في 31-01-2008 | 00:00
آخر تحديث 31-01-2008 | 00:00

تناول الجزء الرابع من ملخص كتاب اللوبي الإسرائيلي، إحدى الآليات الناجعة التي تلوح بها جماعات الضغط داخل الولايات المتحدة، أي سلاح «معاداة السامية» الذي سرعان ما تشهره في وجه أي انتقاد ربما يعوق خطط اللوبي واستراتيجياته، ليس في الولايات المتحدة فحسب بل في كل أرجاء العالم.

وانتقل بعدها، وبإسهاب ملحوظ، إلى عدد من الأحداث والوقائع التي تبرز سطوة اللوبي الإسرائيلي على الإدارة الأميركية الراهنة، إذ ركز المؤلفان على لعبة «استعراض القوة» التي مورست بين شارون وبوش الابن، في أعقاب أحداث سبتمبر 2001، واستمرت حتى تصاعدت فصولها في أبريل 2002، إثر قيام القوات الإسرائيلية بشن عملية «الدرع الواقي» واجتياح الضفة الغربية، ومطالبة الرئيس الأميركي لشارون بسحب قواته «من دون تأخير».

ويخلص الجزء في نهايته إلى محصلة السجال بين الجانبين، التي جسدتها عبارة الصحافي الإسرائيلي هيمي شاليف في صحيفة «معاريف» التي قال فيها: «رأى شارون بياض عيني الرئيس بوش، وتحدى كل منهما الآخر، ورَمَش الرئيس أولاً»... ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل زاد إلى حد

ما وصفه المؤلفان باستسلام بوش الذي وصف شارون بأنه «رجل سلام»، وعلى نحو متزامن كان مؤيدو إسرائيل في «الكونغرس» يتحركون لترجمة التأييد المستدام في صورة عملية مثمرة، بتقديم مساعدات إضافية قيمتها 200 مليون دولار، من أجل تعزيز قدرات إسرائيل في مواجهة الإرهاب!

تنسيق منقطع النظير

إن المحافظة على سياسات الدعم الأميركي لإسرائيل ضد الفلسطينيين ضرورية، بقدر تعلق الأمر باللوبي، لكن طموحاته لا تتوقف عند هذا الحد؛ فاللوبي يريد أيضا من أميركا أن تساعد إسرائيل على أن تظل القوة الإقليمية المهيمنة.

وقد عملت الحكومة الإسرائيلية مع الجماعات المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، من أجل تشكيل سياسة الإدارة الأميركية نحو العراق وسورية وإيران، بالإضافة إلى مخططها الكبير لإعادة ترتيب الشرق الأوسط.

وبرغم أن الضغط من قبل إسرائيل واللوبي لم يكن العامل الوحيد وراء اتخاذ القرار بمهاجمة العراق في مارس عام 2003، فإنه لعب دوراً محورياً في ذلك، ويعتقد بعض الأميركيين أن هذه كانت حرباً من أجل النفط، لكن ليس هناك سوى أدلة مباشرة ضئيلة تدعم هذا الادعاء. وفي المقابل، فإن الحرب نتجت في جانب كبير منها عن الرغبة في جعل إسرائيل أكثر أمناً.

وحسب فيليب زيليكوف، وهو عضو سابق في الهيئة الاستشارية للرئيس بشأن الاستخبارات الأجنبية، والمدير التنفيذي للجنة الحادي عشر من سبتمبر، الذي يعمل الآن مستشاراً لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، فإن «التهديد الحقيقي» من العراق لم يكن تهديداً للولايات المتحدة؛ بل إن «التهديد غير المعلن» كان «تهديداً ضد إسرائيل»، كما ذكر زيليكوف للجمهور في جامعة فرجينيا في سبتمبر عام 2002.

وأضاف قائلا «لا تريد الحكومة الأميركية أن تركز على هذا الأمر كثيراً من الناحية الخطابية، لأنه ليس مطلباً شعبياً».

في السادس عشر من أغسطس 2002، أي قبل 11 يوماً من قيام ديك تشيني ببدء الحملة للحرب بخطابه المتشدد الذي ألقاه أمام جميعة «المحاربين القدماء في الحروب الخارجية»، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، أن «إسرائيل تحث المسؤولين الأميركيين على عدم تأخير الضربة العسكرية ضد العراق بقيادة صدام حسين»، وبهذا المنطق، طبقا لشارون، وصل التنسيق الاستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتّحدة إلى «أبعاد لم يسبق لها مثيل»، وأعطى مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية واشنطن تشكيلة من التقارير المقلقة بشأن برامج العراق لأسلحة الدمار الشامل، وكما وصف الأمر لاحقاً جنرال إسرائيلي متقاعد «كانت الاستخبارات الإسرائيلية شريكاً كاملاً في صنع الصورة التي قدمتها الاستخبارات الأميركية والبريطانية، بخصوص إمكانات العراق غير التقليدية».

تقطيع الأوصال

شعر الزعماء الإسرائيليون بحزن عميق، عندما قرر بوش طلب تفويض مجلس الأمن لخوض الحرب، وشعروا بقلق أكبر عندما وافق صدام على السماح لمفتشي الأمم المتحدة بالعودة إلى العراق، وفي هذا السياق، صرح شيمون بيريز للمراسلين في سبتمبر عام 2002 قائلاً «إن الحملة ضد صدام حسين أمر واجب التنفيذ، فالتفتيش والمفتشون هي أمور جيدة للناس المحترمين، لكن الغشاشين يمكنهم أن يتغلبوا بسهولة على التفتيش والمفتشين».

وفي الوقت نفسه، كتب إيهود باراك مقالة افتتاحية لصحيفة «نيويورك تايمز» حذر فيها قائلاً «إن الخطر الأكبر يكمن في التكاسل الآن». كما نشر سلفه كرئيس للوزراء، بنيامين نتنياهو، مقالة مماثلة في صحيفة «وول ستريت جورنال»، حملت عنوان «الحجة المقنعة لإسقاط صدام»، وكتب فيها قائلاً «اليوم لن ينفع شيء أقل من تفكيك أوصال نظامه. اعتقد أنني أتحدث نيابة عن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين الذين يؤيدون توجيه ضربة استباقية ضد نظام صدام». أو كما ذكرت صحيفة «هاآرتس» في فبراير عام 2003 «الجيش والقيادة السياسية يتوقان للحرب في العراق».

وعلى أي حال، فكما اقترح نتنياهو، لم تكن الرغبة في الحرب مقتصرة على الزعماء الإسرائيليين؛ فباستثناء الكويت، التي غزاها صدام في عام 1990، كانت إسرائيل هي البلد الوحيد في العالم الذي أيد فيها الحرب كل من السياسيين والجمهور. وكما لاحظ الصحافي جدعون ليفي في ذلك الوقت «إسرائيل هي البلد الوحيد في الغرب الذي يدعم زعماؤه الحرب من دون تحفّظ، والتي لم يدلِ فيها أحد بأي رأي بديل»، في الحقيقة، كان الإسرائيليون متحمسين للغاية، حتى أن حلفاءهم في أميركا طلبوا منهم التخفيف من حدة خطاباتهم، وإلا فإن الأمر سيبدو وكأن الحرب يتم خوضها نيابة عن إسرائيل.

أما داخل الولايات المتحدة، فقدكانت القوة الدافعة الرئيسية وراء الحرب هي فرقة صغيرة من المحافظين الجدد، وكثير منهم على صلة بالليكود. لكن زعماء المنظمات الرئيسية في اللوبي أعاروا أصواتهم للحملة.

ذكر تقرير لصحيفة «ذي فوروارد» اليهودية الصادرة في أميركا «عندما حاول الرئيس بوش الترويج... للحرب في العراق، انضمت أهم المنظمات اليهودية في أميركا في صف واحد للدفاع عنه. وفي بيان وراء بيان، شدد زعماء المجتمع على الحاجة إلى تخليص العالم من صدام حسين وأسلحته للدمار الشامل»، واستطردت الافتتاحية قائلة «لقد فرض القلق بشأن أمن إسرائيل نفسه بحق على مشاورات المجموعات اليهودية الكبرى».

العراق أولاً

وبرغم أن المحافظين الجدد وزعماء اللوبي الآخرين كانوا متلهفين لغزو العراق، فإن الجالية اليهودية الأميركية الأوسع لم تكن كذلك، بعد أن بدأت الحرب مباشرة، ذكر صامويل فريدمان أن «مجموعة من استطلاعات الرأي الوطنية التي أجراها مركز (بيو) للبحوث تُظهر أن اليهود أقل مساندة لحرب العراق من عموم السكان، بنسبة 52% مقابل 62%».

من الواضح أنه سيكون من الخطأ إلقاء اللوم في الحرب في العراق على «النفوذ اليهودي». بالأحرى، كان ذلك ناتجاً في معظمه عن نفوذ اللوبي، خصوصاً المحافظين الجدد من بين أفراده.

كان المحافظون الجدد مصمّمين على إسقاط صدام، حتى قبل أن يصبح بوش رئيساً، وقد أحدثوا ضجة في أوائل عام 1998 بنشر رسالتين مفتوحتين إلى كلينتون، تدعوان إلى إطاحة صدام عن السلطة، أما الموقعون، وكثير منهم كان على صلة وثيقة بالمجموعات المؤيدة لإسرائيل مثل المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي أو معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومن بينهم إليوت أبرامز، وجون بولتون، ودوغلاس فيث، ووليام كريستول، وبرنارد لويس، ودونالد رامسفيلد، وريتشارد بيرل، وبول وولفويتز، فلم تواجههم صعوبة كبيرة في إقناع إدارة كلينتون بتبني الهدف العام للإطاحة بصدام. لكنهم لم يتمكنوا من الترويج لشن حرب من أجل تحقيق ذلك الهدف، كما لم يتمكنوا من توليد الحماس اللازم لغزو العراق خلال الشهور الأولى من إدارة بوش، كانوا بحاجة إلى المساعدة من أجل نيل هدفهم، وقد وصلت تلك المساعدة مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبصورة محددة، دفعت أحداث ذلك اليوم بوش وتشيني إلى تغيير اتجاههما وأصبحا مؤيدين قويين لشن حرب وقائية.

في اجتماع رئيسي مع بوش في منتجع كامب ديفيد في الخامس عشر من سبتمبر، أيد وولفويتز فكرة مهاجمة العراق قبل أفغانستان، برغم أنه لم يكن هناك ثمة دليل على أن صدام قد شارك في الهجمات على الولايات المتحدة، وأنه كان معروفاً أن بن لادن موجود في أفغانستان، رفض بوش نصيحته واختار غزو أفغانستان بدلاً من ذلك، لكن الحرب مع العراق باتت تمثل الآن احتمالاً جدياً، وفي الحادي والعشرين من نوفمبر، كلّف الرئيس المخططين العسكريين بتطوير خطط واقعية لغزو محتمل.

الرسائل المفتوحة

في الوقت نفسه، كان المحافظون الجدد الآخرون منشغلين بالعمل في أروقة السلطة، وبرغم أننا لا نعلم كامل الحقيقة حتى الآن، لكن باحثين مثل برنارد لويس من جامعة برنستون، وفؤاد عجمي من جامعة جونز هوبكنز، لعبا دوراً مهماً على ما يقال في إقناع تشيني بأن الحرب كانت أفضل خيار، برغم أن المحافظين الجدد من موظفيه، مثل إيريك إديلمان، وجون هانا، وسكوتر ليبي، رئيس هيئة موظفي تشيني وأحد أقوى الأفراد في الإدارة، لعبوا دورهم بالمثل.

بحلول أوائل عام 2002، تمكن تشيني من إقناع بوش؛ ومع موافقة كل من بوش وتشيني، كانت الحرب حتمية.

أما خارج الإدارة، فلم يُبدد المثقفون من المحافظين الجدد وقتاً في إبراز حجة أن غزو العراق كان أمراً ضرورياً لكسب الحرب على الإرهاب، كانت جهودهم مصمّمة جزئياً لإبقاء الضغط على بوش، وجزئيا للتغلب على المعارضة للحرب داخل وخارج الحكومة.

وفي العشرين من سبتمبر، نشرت مجموعة من المحافظين الجدد البارزين وحلفائهم رسالة مفتوحة أخرى، كتبوا فيها «حتى لو كانت الأدلة لا تربط العراق مباشرة بالهجوم، فأي استراتيجية تستهدف استئصال الإرهاب وداعميه يجب أن تتضمن جهداً خالصاً لإسقاط صدام حسين عن السلطة في العراق». ذكّرت الرسالة بوش أيضا بأن «إسرائيل كانت ولا تزال حليف أميركا الأكثر وفاء ضد الإرهاب الدولي».

في العدد الأول من أكتوبر من صحيفة «الويكلي ستاندارد»، دعا روبرت كاغان ووليام كريستول إلى تغيير النظام في العراق بمجرد دحر «طالبان»، وفي اليوم نفسه، جادل تشارلز كراوثامر في صحيفة «واشنطن بوست» بأنّه بمحرد أن تفرغ الولايات المتحدة من أفغانستان، يجب أن يأتي الدور على سورية، تليها إيران والعراق «ستنتهي الحرب على الإرهاب في بغداد»، عندما نقضي على «النظام الإرهابي الأكثر خطورة في العالم».

الخيط الرفيع

كانت هذه بداية حملة علاقات عامة مكثفة للفوز بالدعم لغزو العراق، التي تمثّل جزء حاسم منها في التلاعب بالمعلومات الاستخباراتية، بطريقة تجعل الأمر يبدو كما لو أن صدام يشكل تهديداً وشيكاً، على سبيل المثال، ضغط ليبي على محللي وكالة الاستخبارات المركزية لإيجاد أدلة تدعم حجة الحرب، وساعد في إعداد تصريح كولن باول أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والمعروف حاليا كونه كاذباً، أما داخل «البنتاغون»، فقد تم تكليف مجموعة تقييم مكافحة الإرهاب المتعلقة بالسياسات بإيجاد صلات بين «القاعدة» والعراق، التي يفترض أن يكون المجتمع الاستخباراتي قد غفل عنها، كان العضوان الرئيسيان في اللجنة هما ديفيد وورمسر، وهو من المحافظين الجدد حتى النخاع، ومايكل معلوف، وهو أميركي من أصل لبناني على صلة وثيقة ببيرل. كانت هناك مجموعة أخرى في «البنتاغون»، هي ما يُسمى بمكتب الخطط الخاصة، أنيطت بها مهمة الكشف عن أدلة يمكن استخدامها في تبرير الحرب، التي كانت برئاسة أبرام شولسكي، وهو محافظ جديد ذو صلات وثيقة وطويلة مع وولفويتز، وتضمنت أعضاء تم اختيارهم من العقول والخبراء المؤيدين لإسرائيل.

أُنشئت هاتان المنظمتان بعد الحادي عشر من سبتمبر، وكانتا تحت إمرة دوغلاس فيث مباشرة.

مثل الغالبية العظمى من المحافظين الجدد، فيث شديد الالتزام بإسرائيل؛ كما أنه يمتلك روابط طويلة وقوية بالليكود. وقد كتب في تسعينيات القرن العشرين مقالات تدعم المستوطنات، يرى فيها أن إسرائيل يجب أن تحتفظ بالمناطق المحتلة. والأكثر أهمية أنه كتب، بالمشاركة مع كل من بيرل وورمسر، تقرير «Clean Break» الشهير في يونيو 1996 لنتنياهو، الذي أصبح لتوه رئيساً للوزراء.

ومن بين أشياء أخرى، أوصى التقرير بأن يقوم نتنياهو «بالتركيز على إسقاط صدام حسين من السلطة في العراق، وهو هدف استراتيجي إسرائيلي مهم في حد ذاته» ؛ كما دعا إسرائيل إلى اتخاذ خطوات لإعادة ترتيب الشرق الأوسط بأكمله.

لم يتبع نتنياهو نصيحتهم، لكن فيث، وبيرل، وورمسر سرعان ما شرعوا في حث إدارة بوش على متابعة تلك الأهداف نفسها. وقد حذّر المعلق الصحافي بصحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، أكيفا إلدر، من أن فيث وبيرل «يسيران على خيط رفيع بين ولائهم للحكومات الأميركية... وبين مصالح إسرائيل».

صفقة الجلبي

إن وولفويتز ملتزم بإسرائيل بالمثل، وقد وصفته صحيفة «ذي فوروارد» ذات مرة بأنه «أكثر الأصوات المؤيدة لإسرائيل تشدداً في الإدارة»، واختارته في عام 2002 أولا من بين 50 شخصية بارزة «تابعت الفاعلية اليهودية عن وعي وإدراك».

وفي الوقت نفسه تقريباً، منح المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي وولفويتز جائزة هنري م. جاكسون للخدمة المتميزة للترويج للشراكة القوية بين إسرائيل والولايات المتحدة؛ كما أن صحيفة «جيورزاليم بوست»، بوصفه «مؤيداً مكرساً لإسرائيل»، منحته لقب «رجل العام» في 2003.

أخيرا، تجدر الإشارة إلى دعم المحافظين الجدد قبل الحرب لأحمد الجلبي، المنفي العراقي العديم الضمير الذي ترأّس المؤتمر الوطني العراقي، لقد دعموا الجلبي لأنه أسس صلات وثيقة مع المجموعات الأميركية - اليهودية وتعهّد بتعزيز العلاقات الجيدة مع إسرائيل عندما يمتلك زمام السلطة، كان هذا بالضبط ما أراد أن يسمعه مؤيدو تغيير النظام المؤيدين لإسرائيل.

عرض ماثيو بيرجير جوهر الصفقة في «المجلة اليهودية» فكتب قائلا «يرى المؤتمر الوطني العراقي تحسين العلاقات كسبيل للاستفادة من النفوذ اليهودي في واشنطن والقدس، ولحشد الدعم المتزايد لقضيته.

ومن جهتها، رأت المجموعات اليهودية في ذلك فرصة لتمهيد السبيل لعلاقات أفضل بين إسرائيل والعراق، إذا، وفي حال، شارك المؤتمر الوطني العراقي في إطاحة نظام صدام حسين».

وبالنظر إلى ولاء المحافظين الجدد لإسرائيل، وهوسهم بالعراق، ونفوذهم في إدارة بوش، لم يكن مفاجئاً أن يرتاب كثير من الأميركيين في أن الحرب قد صممت من أجل مزيد من التعزيز للمصالح الإسرائيلية. في شهر مارس من عام 2006، اعترف باري جاكوبز للجنة اليهودية الأميركية، بأن الاعتقاد بأن إسرائيل والمحافظين الجدد تآمروا للزج بالولايات المتحدة إلى الحرب في العراق كان «واسع الانتشار» في المجتمع الاستخباراتي، ومع ذلك قليل من الناس يقولون ذلك علناً، وأغلب من فعلوا ذلك - بمن فيهم السيناتور إرنست هولينغز والنائب جيمس موران - تعرضوا للشجب لإثارتهم الموضوع. كتب مايكل كينزلي في أواخر عام 2002، أن «شح النقاشات العامة بشأن الدور الإسرائيلي... هو بمنزلة الفيل في الغرفة الذي يضرب به المثل». ولاحظ أن السبب في التردد في الحديث عن الأمر هو الخوف من أن يوصم المرء بمعاداة السامية.

حلم الرئيس

ليس هناك سوى القليل من الشك في أن إسرائيل واللوبي كانا عنصرين أساسيين في قرار دخول الحرب، فهو قرار كانت الولايات المتحدة ستكون أقل احتمالاً بكثير أن تتخذه من دون جهودهما؛ كما أن الحرب نفسها قُصد بها أن تكون خطوة أولى فحسب. يمكن تلخيص الأمر في العنوان الرئيسي على الصفحة الأولى لصحيفة «وول ستريت جورنال» بعد فترة قليلة من بداية الحرب «حلم الرئيس: ليس تغيير نظام فحسب، بل منطقة بأسرها: إن خلق منطقة ديموقراطية مؤيدة للولايات المتحدة هو هدف له جذور تعود إلى إسرائيل والمحافظين الجدد».

كانت القوى المؤيدة لإسرائيل مهتمة منذ فترة طويلة بجعل الجيش الأميركي يتدخل بصورة أكثر مباشرة في الشرق الأوسط، لكنها لم تحقق سوى قدر محدود من النجاح خلال الحرب الباردة، لأن أميركا عملت «كموازن بعيد» في المنطقة. تم الاحتفاظ بمعظم القوات المخصصة للشرق الأوسط، مثل قوة الانتشار السريع، «على خط الأفق» وبعيداً عن الأذى. وتمثلت الفكرة حينئذ في تأليب القوى المحلية بعضها ضد بعض، ولهذا السبب دعمت إدارة ريغان صدام ضد إيران الثورية خلال الحرب العراقية- الإيرانية، للإبقاء على التوازن المفضل لدى الولايات المتحدة.

بيد أن هذه السياسة تغيّرت بعد حرب الخليج الأولى، عندما تبنّت إدارة كلينتون استراتيجية «الاحتواء المزدوج»، التي تتمثل في حشد عدد كبير من القوات الأميركية في المنطقة لاحتواء كل من إيران والعراق، بدلاً من استخدام إحداهما لكبح جماح الأخرى. لم يكن هناك أب حقيقي لاستراتيجية «الاحتواء المزدوج» سوى مارتن إنديك، الذي لخص هذه الاستراتيجية أولاً في مايو من عام 1993 في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، وبعد ذلك طبقها كمدير لشؤون الشرق الأدنى وجنوبي آسيا في مجلس الأمن القومي.

back to top